بمجرد سيطرة جماعة الحوثي، على محافظة بعينها حتى تفرض عليها سلطة الأمر الواقع ،متجاوزة كل السلطات الشرعية القائمة في المحافظة لتغدوا كل الصلاحيات بيدها، ويصبح ما يسمى مشرف المحافظة بديل عن محافظ المحافظة ودونه من السلطات .
مشرف المحافظة هو المسئول الأول فيها، ويمتلك صلاحيات واسعة يمارسها كما يحلوا له ،ولجماعته دون اعتراض من أحد، ويتحول محافظ المحافظة أداة بيد المشرف إذا ما سمح له بالبقاء أصلاً وإلا عين بديلاً عنه كما هو الحال في عمران والحديدة مقرباً يطيع وينفذ .
مشرفو الحوثي يحلّون محل السلطة المحلية حيث أنهم يحددون مهام وصلاحيات جديدة ، ما أنزل الله بها من سلطان، بل ويقومون بدور الأجهزة الرقابية والتشريعية والتنفيذية والقضائية والدينية، ولا يستطع المحافظ أن يفعل شيء دون موافقة المشرف الحوثي، وإذا ما حدث وتجاوزه، فسرعان ما يتم اقتحام المحافظة وطرد المحافظ وتغييره بكل سهوله ويسر ولا يعجزون بعد ذلك عن خلق شرعية وهمية بغطاء ما يدعون بالشرعية الثورية .
تصبح المحافظة في قبضة المشرفين ويستبيحون كل مؤسساتها فيقتحمون المباني والمكاتب التنفيذية والهيئات والمؤسسات والشركات الاستثمارية العاملة والجامعات والمدارس والمساجد ويقومون بإعادة قولبة وهيكلة المؤسسات حسب هواهم ، وتمكين المقربين لهم ، ويمارسون قبضة أمنية شديدة يستنزفون معها موارد المحافظة في توظيف كوادرهم وتوفير نفقات ما تسمى بالجان الشعبية مما يتيح لهم إخضاع المحافظة للقبضة الأمنية وإسكات أي أصوات ترتفع ضدهم ، ويعمدون إلى خلق التهم لمعارضيهم كما حدث للصحفي سام الغباري مثلاً في ذمار رغم أمر النيابة بالإفراج عنه بكفالة ،لكن مشرف الحوثيين في المحافظة ابطله .
وبالنسبة للمحافظات التي لم تكن تحت سيطرتهم ولم تصلها لجانهم الشعبية فإن صلاحيات المشرف تكون محدودة جداً ويتم إشراكه، في القرار السياسي وتنحصر صلاحيات المشرف بين أتباعه ومناصريه وتتصف بالتربوية السياسية .
معايير الاختيار :
يحتفظ عبدالملك الحوثي وحده بحق تعيين المشرفين باعتبارهم ممثلين له شخصياً ويمنحهم بذلك كافة الصلاحيات المباركة، ولذلك لا يستطيع أي شخص الوصول لهذه المرتبة الا إذا امتلك مؤهلات خاصة ومعايير أساسية ، فلابد ان يكون معروفاً لدى السيد ويفضل ان يكون من أقربائه والمقربين له كمعيار اولي ثم يأتي بعده معيار الدور القتالي في الجبهات في الحروب الكثيرة التي خاضتها الجماعة مع الدولة والقبائل، وبقدر عدد الجبهات و البلاء فيها تكون كانت المشرف ومرتبته، ليأتي معيار المخزون التربوي والعقدي وإلمامه بملازم السيد ويكون الأولوية لمن سافروا إلى إيران .
ويعتبر المشرق محصناً لا يمكن المساس به ويستحال تغييره وإن كان بمطالبة من قبل الحوثيين أنفسهم وفي الحافظة نفسها ، وهذا ما حدث عندما برزت خلافات بين مشرف ذمار القادم من صعدة وبين الحوثيين من أبناء المحافظة وطالبوا بتغييره فلم يلتفت لمطلبهم واستدعى الأمر للذهاب إلى صعدة ومقابلة السيد وطرح الأمر عليه ليرد بالرفض حيث قال لهم " إن الأولوية لمن خاضوا المعارك القتالية وبذلوا الغالي والنفيس وتشاطروا الأفراح والأحزان ، وليست الأولوية في التمكين لمن كانوا يسكنوا الطير مانات".
مشرف بسلطات مطلقة :
رغم صعوبة الحصول على المعلومات الكافية حول مشرفي الحوثي في الحافظات نتيجة التكتم الشديد الا أننا حصلنا على عدد من الاسماء التي تنتمي في معظمها إلى محافظة صعدة وما جاورها وبعضهم أقرباء لزعيم الجماعة ومنهم آخوه عبدالخالق الحوثي مشرف أمانة العاصمة والذي تم تعيينه قبل سقوط صنعاء .
وكذلك مشرف محافظة الحديدة نايف أبو خرفشة ابن أخت عبدالملك الحوثي بالإضافة إلى مشرف المحويت فاضل الشرفي الذي قيل أنه خال لعبد الملك الحوثي ومشرف محافظة إب (ابو محمد ) عبدالغني الطاووس المتزوج اخت عبدالملك الحوثي ومشرف محافظة الجوف ابو احمد العزي الذي ينحدر من أسرة بيت العزي المقربة من الجماعة والتي منها حسين العزي مسئول العلاقات الخارجية في جماعة الحوثي وجميعه من محافظة صعدة .
أما بقية المحافظات فقد تم تعيين مشرفين لها من الأسر الهاشمية أو من محافظة صعدة سواء انتماء أو سكناً ، حيث تم تعيين ( ابو أحمد ) مشرف محافظة البيضاء وهو من ابناء صعده و( أبو عادل) عبد المحسن المروني مشرفاً لمحافظة ذمار ، سجين سابق في الأمن السياسي غادر إلى إيران في منحة دراسية ، ضابط في الحرس الجمهوري سابقاً لا نعلم بأي رتبة،ظهر خلافات شديدة بينه وبين حوثيو ذمار وطالبوا بتغييره بأبو تراب لكن عبد الملك الحوثي رفض ، و( ابو أحمد ) عبد الغني الطاووس مشرفاً لمحافظة إب مقرب من عبدا لملك الحوثي أصيب بالحرب الرابعة وبترت رجله على اثرها ويمشي برجل صناعية الآن ، وأبو يحيى الديلمي مشرفاً لمحافظة ريمة خلفاً لصادق الأهدل الذي تم قتله عندما اقتحم مسلحو الجماعة محافظة ريمه .
كما تم تعيين (ابو يحيى ) إبراهيم الحملي مشرفاً لمحافظة حجة ضابط في الحرس الجمهوري ،عينه المحافظ القيسي مساعداً له لشؤون الأمن ، والتربوي منصور اللكمي مشرفاً لمحافظة تعز
، (ابوحمزة ) فهد العزي مشرفاً لمحافظة عمران ، الذي عين المحافظ فيصل جمعان بعدما قاد معركة إسقاط عمران والمتزوج ابنة عم فهد العزي حيث وهم ينحدرون من قرية واحدة ، ،لكن الأخير مهدد بتغييره ب (ابو علامة ) فؤاد العزي أخو فهد العزي وأول من تم تعيينه مشرفاً كان ( ابو مالك ) يوسف الفيشي
ومن خلال استعراض هذه الأسماء يتضح اعتماد (الكنية ) بدلاً من الاسم الحقيقي ، وهذه طبيعة التنظيمات السرية.
آثار وتداعيات :
ثمة من ينظر إلى طبيعة الدور الذي يقوم به مشرفو المحافظات لايعدو كونه عملية استحواذ لسلطة الدولة واستبدالها بسلطة المليشيات القادمة بقوة السلاح ، وهذا من شأنه أن ينسف ما تبقى من بنية الدولة القائمة على أسس وقوانين .
وبالتالي إدخال المحافظات قسراً تحت سلطة المليشيات ينمّ عن رغبة استبدادية وأحادي من طرف واحد يسعى لابتلاع وإخضاع الجميع لسلطته ، والاستفراد بالمشهد الإداري بل وإعادة رسم الخارطة السياسية والمجتمعية بما يتوافق وأهدافهم ومصالحهم الخاصة وأجنداتهم الفئوية الضيقة، ما ينذر بمزيد من الاضطراب السياسي والاختلال الأمني والتدهور الاقتصادي .