يدرك الحوثيون أنه لا تتوفر لديهم القوة الكافية التي تساعدهم في اخضاع اليمن بكل مناطقها تحت سلطتهم ،كما يدركون أيضاً أنه ليس بمقدورهم حتى الاستمرار لفترة طويلة في السيطرة على بعض المحافظات اليمنية التي أصبحت تحت حكمهم اليوم ،وذلك لأسباب أمنية وسياسية واقتصادية؛ والأهم من ذلك الرفض الشعبي الكبير الذي يواجهون من قبل أبناء اليمن والمتزايد يوماً بعد آخر وهذا ما نلاحظه في تلك المحافظات الخاضعة لهم.
إلا أن الحوثيين أو بالأخص قادتهم السياسيين في صعدة وصنعاء يحرصون كل الحرص على إبداء طابع التمويه للشعب اليمني بأنهم رجال دولة أكفاء ،وأن باستطاعتهم بناء دولة مثالية ينعم بظلها كل اليمنيين.
ولهذا تكثف القيادة الحوثية جل تحركاتها في الجانبين الأمني والاقتصادي ،إذ يخوض مسلحو الحوثيين صراعات متفرقة في أكثر من منطقة يمنية بدواعي محاربة التطرف وحفظ الأمن والاستقرار للبلد، وفي المقابل تعمل القيادة الحوثية في إبرام بعض الاتفاقيات الاقتصادية مع الدولة الحليفة والداعمة لها "إيران" للحصول على مساعدات إنسانية لليمن حد تعبيرهم.
وفي حين تعيش جماعة الحوثي في ظل عزلة سياسية داخلية وخارجية، منذ تنفيذها الانقلاب على سلطات الدولة الشرعية في اليمن نهاية يناير المنصرم ،تبدأ الجماعة بكسر جمود العزلة بالتحرك نحو إيران ،حيث أرسلت جماعة الحوثي وفداً إلى طهران في زيارة استغرقت عدة أيام لأجل الحصول على دعم اقتصادي إيراني لليمن.
وباعتقادي أرى أن تحركات الحوثيين هذه باتجاه إيران لها هدفين أساسيين:
الهدف الأول: يريد الحوثيون من خلال تقاربهم الأخير مع إيران طمأنة اليمنيين أنهم -أي الحوثيين- قادرين على نسج علاقات سياسية واقتصادية مع دول أخرى تكون بديلة عن دول الخليج العربي التي تعد الداعمة الأكبر لليمن لعقود طويلة لاسيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
ومن حظ الحوثيين أنهم لم يستطيعوا سوى التقارب مع إيران التي هي الأخرى تعيش ظروفاً صعبة ،إذ تعاني من أزمة اقتصادية خانقة جراء الحظر الدولي عليها وكذلك انخفاض أسعار النفط في الآونة الأخيرة، وهذا ما يجعل إيران عاجزة عن تقديم المساعدات للحوثيين بالشكل الذي يريدوه منها.
وإن كان هناك اتفاقيات أبرمها الحوثيون مع الجانب الإيراني معلن عنها ، فستظل هذه الاتفاقيات مجرد حبر على ورق ولن تترجم على الواقع بالسرعة التي يتصورها أو يتمناها الحوثيين لأنفسهم.
الهدف الآخر: يظن الحوثيون أن تعزيز علاقاتهم بإيران سيمكنهم من فرض ضغوطات سياسية على الأطراف اليمنية في الداخل وكذلك دول الخليج ،الهدف منها تحقيق مكاسب سياسية على الصعيدين المحلي والإقليمي.
وأياً كان الهدف الذي يريد الحوثيون تحقيقه والوصول إليه ،إلا أن ذلك سيظل مجرد وهماً يخيم على العقلية الحوثية ولن يعود لهم بأي فائدة، وما يجب أن تدركه العقلية الحوثية جيداً هو أن إيران لن تكون بديلة عن دول الخليج بالنسبة لليمن واليمنيين ؛فروابط الدم والجغرافيا واللغة التي تربط اليمن بالخليج العربي أقوى بكثير من الروابط القائمة على المنفعة والمصالح الضيقة بين الحوثيين وإيران.
كما أن الحوثيين لن يستطيعوا تحقيق أي مكاسب إضافية لصالحهم على الصعيد الداخلي ،في ظل الرفض الشعبي المتزايد لهم والتفاف الأحزاب السياسية والمكونات الاجتماعية حول الشرعية الدستورية المتمثلة في الرئيس عبدربه منصور هادي، وقد تشهد الأيام القادمة تراجع وانحسار حقيقي لجماعة الحوثي في حال استمرت هذه الجماعة بتغليب مصلحتها الذاتية على مصلحة الشعب والوطن .
وما ينبغي على جماعة الحوثي القيام به في الوقت الراهن هو التخلي عن الوهم الذي يلبسها والذي يصور لها بأن اليمن من الممكن والسهل أن تصبح دولة حوثية تخضع لأمر السيد وجماعته، والتحلي بالروح الوطنية الصادقة التي تحتم على الجميع العمل بمسؤولية أمام مستقبل الوطن والشعب.