الطفل المولود في قرية بيت الأحمر في مارس 1942م حمل معه رصيده الهائل من الحرمان، واستثمرها طيلة 70 سنة ليوزّعها على أبناء دولته بكرم قلّ نظيره..!!.
إذ لم يكن صالح مجرد طفل شقي في أسرة فلاحية فقيرة فحسب؛ بل كان نزقاً وشرساً وصاحب مغامرات جانحة عن السلوك المحافظ لمجتمعه، لم يبدأ جنوحه من سلوكه في “مفرق المخا” بتعز، ولم يقف عند اشتراكه الكبير في قتل الرئيس ابراهيم الحمدي في 11 أكتوبر1977م ـ بحسب اتهامات أسرة الأخير ـ ومنها شهادتان لأشقاء الحمدي سمعتها بنفسي منهم..!!.
بعد ساعات قليلة من مقتل الرئيس أحمد الغشمي في 24 يونيو 1978 وصل المقدّم علي عبدالله صالح جوهاً إلى صنعاء قادماً من تعز المحافظة التي كان يعمل فيها قائداً عسكرياً، بعد أيام قصيرة أصبح صالح عضواً في مجلس قيادة الثورة، ثم ترقيته إلى رتبة عقيد، ثم اختياره رئيساً للجمهورية في 17 يوليو من نفس العام، في مشهد دراماتيكي لايزال حتى اللحظة يحمل أسراره.
رغم أن الشيخ الراحل عبدالله الأحمر قال في مذكّراته أنه لم يكن راضٍياً عن صالح لولا أن السعودية ضغطت عليه للقبول به رئيساً؛ صعد صالح إلى السُلطة ولم يكن شخصية قياديةً في المجتمع، بقدر ما كان رجل تحوّلات ومغامرات، تمكّن من خطف المناصب واستقطاب الشخصيات بنفس القدر الذي تمكّن به من بناء تحالفات داخلية وإقليمية ضمنت له البقاء في السُلطة.
لايزال الرئيس صالح رجل الأضواء وبؤرة لعدسات الكاميرات، جذاباً على نحو لافت بقدراته الذهنية التي لا تنتهي، حتى وإن كان يترك خلف كل جريمة عشرين أصبعاً تشير إليه.
تمكن في السنوات الثلاث الأخيرة من تدمير كل أمجاده، ومحاصرة نفسه بين أركان كل جريمة وتهمة، ووضع نفسها في أعلى مراتب الشبهات؛ ولأنه رجل تحوّلات كبيرة فقد تحوّل في نظر شعبه من زعيم خالد إلى قاتل مطارد في المخابئ وفي نظر العرب من “فارس” إلى “مخلوع” تلاحقه الشائعات وعدسات الكاميرا.
صالح الذي كان “صمام أمان” هو اليوم سلاح دمار شامل يجب التخلُّص منه..!!.
"الجمهورية