هذا الأسبوع تسربت للصحافة الدولية أغرب مبادرة أممية قادها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، فقد جاء من صنعاء إلى الرياض عبر بوابة مسقط، التي صاغ فيها مبادرة من 10 نقاط ركيكة هزيلة منحازة كلية للمليشيا على حساب شرعية الدولة. المبعوث الأممي قابل الرئيس هادي مبتهجا بموافقة الحوثيين على مبادرته، وقبل أن يكمل الأخير قراءتها القاها جانبا فقد تجلت عورة "ولد الشيخ" وكشف حضوره كمبعوث في مهمة إنسانية وليس مهمة سياسية شديدة التعقيد، فلا خبرة سياسية أو دبلوماسية لدى لديه إذ أنفق سنوات طويلة من عمره في العمل الإنساني مع "اليونيسف" كان آخرها في جنوب القارة الأفريقية يكافح مرض "آيبولا". نصف بنود المبادرة كانت خديعة وماكرة، بل أن بعض النصوص فجة وركيكة الجملة، تجعل المرء يشعر بمدى الرضا الغربي عن سلوك "ولد الشيخ" تجاه القضية اليمنية، هذا إذا كان ينطلق من ذاته وقيمه السياسية والمهنية، وليس مجرد موظفا وتابعا يكتب ما يملى عليه. لكن اللافت في المبادرة هو سرعة حجبها عن وسائل الإعلام، فباستثناء ما نشرته يومية "الشرق الأوسط" وتعليق مستشار رئيس الجمهورية عبدالعزيز جباري على المبادرة واعتباره مرفوضة جملة وتفصيلا، وما نقلته الصحف اليمنية، عدا ذلك لا أحد تحدث عنها... تحدث البند الثاني من المبادرة "المؤامرة" عن انسحاب الحوثيين من المدن، والصائغ الماكر قال "المدن" ولم يقل "المحافظات"، إذ تستطيع مليشيا صالح والحوثي الانسحاب من المدن إلى تخومها، ومن الحواضر إلى الأرياف، وتجعل المدن تحت رحمتها وفي متناول قبضتها. البند الرابع دعا إلى مغادرة المليشيا مقرات المؤسسات الحكومية "الخدمية" فقط. بمعنى أراد تحرير الجهات "الخدمية" أما السيادية فلا ضير من بقاءها تحت سيطرة المليشيا... أراد تحرير وزارة الكهرباء في بلد لم يعد فيه كهرباء، وتحرير "الصحة" التي تعاني الأمرين من نقص في الدواء والوقود واختناق تجاوز قدراتها الاستيعابية بكثير، بفضل الدمار والقتل اليومي الذي تفرض المليشيا كل لحظة، أراد تحرير وزارة التربية والتعليم، التي فجر الحوثيين مدارسها وخزّنوا السلاح في بعضها.. لكن وزارات المالية والنفط والدفاع والداخلية والخارجية والإعلام.. هذه ليست خدمية ولا ضير من بقاءها بيد المليشيا؟ وماذا عن البنك المركزي وجهاز الرقابة والمحاسبة وجهاز المخابرات بشقيه الأمن السياسي والأمن القومي وهيئة مكافحة الفساد ومقر الحكومة والبرلمان هل هي "خدمية" أم لا مشكل من بقائها في قبضة المليشيا.. وبمكر خبيء وخبيث تحدث البند السابع عن "وضع خطة وطنية لمواجهة تنظيم القاعدة وداعش وأنصار الشريعة في اليمن".. نعم قالت المبادرة ذلك لتمنح الحوثيين نصرا معنويا مبينا، ومن شأن ذلك زيادة التعاطف الغربي معهم باعتبارهم شركاء حقيقيين في مكافحة الإرهاب.. و"الإرهاب" هنا هو كل مقاومة وطنية شريفة تدافع عن قيمة الدولة في وجه المليشيا المتمردة. سرداب الغي الذي دخله "ولد الشيخ" منذ زار إيران يشبه السرداب الذي ضاع فيه أمامهم المعصوم فلم يعد يتحدث إلا عما يرضي إيران وذراعها المليشاوية في اليمن، ويتجلى ذلك في البند الثامن الذي ينص على "إزالة المخاوف التي تهدد اليمن والسعودية وعدم تدخل أيا منهما في شئون الأخرى" وهذا ما تسعى إليه إيران ومن خلفها أمريكا.. المبعوث الأممي جديد على العمل السياسي وإلا كان سيعرف أن ما تفعله السعودية في اليمن جاء بطلب وتفويض من الرئيس الشرعي للبلاد وأيدته كامل النخبة السياسية في اليمن خلال مؤتمر الرياض ويحظى بتأييد شعبي عام، وهذا يعني أنه تدخل إيجابي. وغلفت النوايا السيئة البند العاشر من خلال مطالبة جميع الأطراف بتسليم سلاحها للدولة وفقا لمخرجات الحوار الوطني.. ولا أحد يعلم بوجود طرف يملك دبابة ومدفع وكاتيوشا ونهب معسكرات ومقدرات دولة غير الجماعة الحوثية. ومجاهرة الحوثيين برغبتهم بوجود مراقبين دوليين في مناطق الصراع رغم اعتراضهم على التدخل الجوي لقوات التحالف هو من أجل تكون تلك القوة طوق نجاة تنقذهم من اقتحام متوقع تعده قوات التحالف لأماكن التواجد الحوثي في صنعاء العاصمة وذمار وصعدة. ظهر أمس الأربعاء عاد "ولد الشيخ" إلى الرياض للقاء الرئيس هادي بمبادرة واقتراحات حوثية جديدة.. ولا أظن حتى اللحظة أن المبعوث الأممي قد أدرك حجم الهوة الفاصلة بين قيادة شرعية منتخبة وبين عصابة تمردت ودمرت قدرات الدولة.. فقد قال مرة للصحافة الأوروبية أن الوضع في اليمن معقد و" لا ندري من المعتدي ومن المجرم" !!. - See more at: http://almasdaronline.net/article/74566#sthash.YZYotCXZ.dpuf