صباح حزين، وأقسم بالذي رفع السماء بلا عمد أنه لم يمر علي يوم واحد، منذ عام 1996 وهو العام الذي انتقلت فيه إلى صنعاء، دون أن يذكر عندي اسم "نايف الجماعي" أو يسألني أحدهم عنه، في البر كنت أو في البحر أو في الجو، داخل اليمن أو خارجها. لذلك كان مصابي اليوم متجاوزا كل أسوار الحزن والوجع.
هذا الصباح أفقت باكرا على اتصالات الأحباب المفجوعين من خبر استشهاد الشيخ الحبيب الغالي نائف محمد يحي الجماعي قائد مقاومة بعدان الأبية. يتصلون بي من جبهة دمت "حيث استشهد"، من قعطبة، تعز، عتمة، صنعاء، إب، أمريكا، السعودية... إلخ، على الجوال، والواتس والفيس والخاص والعام وكأنما أنا محور الحزن الوحيد ومدار الفاجعة..
لم يتوقف جوالي عن تحميل مئات الصور تلقائيا، من كل الجروبات والرسائل، انهمرت مثل دموعي الغزيرة منذ الصباح، وتناقل المحبون الخبر كالصاعقة. تغيرت بروفايلات المضافين عندي في كل وسائل التواصل الاجتماعي.. هكذا فجأة!! استبدل الجميع صورة الشهيد نايف بصورهم، وكأنما تجمع الذين كانوا يسألونني عنه طيلة عقدين من الزمن، وجاؤوا دفعة واحدة ومن كل باب ليملؤا قلبي بعاصفة من الحزن لأ أطيقها ورب الكعبة.
زاد شجني عليه في الأسابيع الأخيرة، آلمني أن يكون شاب مثلي وبإمكانات فارهة، يتقدم الصفوف مضحيا بماله ودار آبائه وأجداده، وعمله المصرفي كأحد أهم مدراء البنوك، آلمني ما يقاسيه في الميدان من عذابات قتل أقاربه وأصحابه، فأكثرت من الاتصال به وأكثر من الاتصال بي، كان في دمت، وكنت في قعطبة، لم أتمكن من زيارته، ووعدني في آخر اتصال بيننا قبل يومين أن نلتقي في عدن وذلك ما جعلني أنتظر إزالة الشوق وقت قدومه.
وعن نايف الشاب الوسيم، لا أذكر إلا أنه كان في مقدمة كل عمل نبيل. أكتب إليكم وذاكرتي تستعرض صوره دون توقف. شاعرا في مدرجات الجامعة ومهرجاناتها، في منصة ميدان السبعين ومنصة ساحات التغيير وميادين الحرية، في ميادين الانتخابات والعمل السياسي، أو دواوين السلم الاجتماعي والمشاركة القبلية الواعية والفاعلة. وها هو يلبي نداء السلاح حين دعاه الواجب فكان في المقدمة، واستشهد في جبهة متقدمة أيضا على تبة بين دمت والرضمة مدافعا عن أرضنا وعرضنا ووطننا وأمتنا.
وجعي يمنعني عن الاسترسال، وحزني يفقدني متعة الكتابة عن حبيبي نايف، وحروفي تختنق بغصتي، وصدري يحترق بألمي وفقدي، ورصيدي من نايف لا تحصيه مقالة، ولا تكفيه وقفة، وفخري بأخي وابن قبيلتي وأسرتي لا متسع له في هذه العجالة التي سطرتها بلا روية ولا أناة، وربي حسبنا وهو نعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نامت أعين الجبناء..
تعازينا وفخرنا لكافة أهلنا وأسرتنا وأبناء عمومتنا، تعازينا لك محمد بن نايف نجل الشهيد البطل، تعازينا لك أخي صلاح الدين الشاب البطل الشجاع، تعازينا للشيخ آدم الجماعي ولهذه القبيلة العظيمة وإنا على الدرب سائرون، والنصر لليمن العظيم..
وللحديث بقية..
*محمد الجماعي