سالت دماء أهل تعز فوق كل شبر وتحت كل سحابة في هذا البلد، مدافعين عن حق وطنهم في الوجود، ذلك أن الإنسان التعزي لا يسعه التفكير إلا بالتراب الوطني كلٌ لا يتجزأ.
لن تمر محنة في اليمن دون أن يكون للتعزي دور في الوقوف ضدها والتخلص من أسبابها، ولن يأتي خير دون أن تكون يده البيضاء دليل وكشاف يوضح للناس أبواب الخير ومفاتيحه، فتراه يتقدم في عدن المستعمرة الإنجليزية ويبرز قادة في المعارك كعبود الشرعبي وعبدالفتاح إسماعيل، وفي تنظيم الضباط الأحرار ضد كهنوتية رجال الدين وطغاة الأئمة يتقدم محمد قائد سيف
ويأتي دور الأحرار التنويريين والساسة الأمجاد فتجد أحمد محمد نعمان وعبدالله علي الحكيمي وعبدالغني مطهر ومحمد علي عثمان وعبدالقوي حاميم، وفي الأدب والفن يتقدم من كتب كلمات النشيد الوطني عبدالله عبدالوهاب نعمان ومن غناه ولحنه أيوب طارش، وسلطان الصريمي وعبدالباسط عبسي.. وسيظل هاشم علي الأب الروحي للفنانين التشكيليين في اليمن، وفي الرواية والقصة تقدم محمد عبدالولي ومحمد مثنى ومحمد المساح وفي الاقتصاد لا يزال تجار تعز رافعة الاقتصاد الوطني ودرعه الحصين، ويكفي أن رجلي الأعمال علي محمد سعيد وعبدالغني مطهر كانا أول من ضحى بمالهم في سبيل تحرير اليمن من حكم الأئمة.
وفي العمل الخيري تتقدم الجمعيات الخيرية التابعة لمجموعة هائل سعيد، التي وصل خيرها إلى كل مديرية في اليمن.
لا أحد من أعلام تعز تحدث يوماً بنفس مناطقي أو مذهبي أو عصبوي، فهي المدينة الجامعة لكل اليمنيين والموزعة أبنائها على كل اليمن، ولا أظن منطقة واحدة في اليمن لا يسكنها تعزي، فهم الاختصاصيون من أطباء ومهندسين وصيادلة ومحامين وإعلاميين وتربويين وأكاديميين، وهم أمهر الحرفيين في كل المجالات.
تعز التي نزفت دماءها حتى الثمالة، سجلت ملحمة أسطورية في وجه مليشيا صالح والحوثيين، وبقي السؤال الكبير دهشته تملأ المكان: كيف استطاعت تعز أن تصمد كل هذه الشهور الثمانية في وجه قوات النخبة التي يمتلكها صالح والمدربة أمريكياَ، ومليشيا الحوثي المدربة إيرانياً على حرب العصابات، فضلاً عن أن كلا العدويين يمتلكان أحدث الأسلحة وأفتكها.. من أين لك روح لا تموت وعزيمة لا تنكسر يا تعز، كيف ظللت قوية وثابة عصية على الموت، كلما ظن أعداءك أن ساعة موتك اقتربت تخرجين شامخة وشاهقة كالعنقاء من بين الرماد؟!.
غير أن لا رماد لك، فالمدينة التي تعطي ظهرها لجبل صبر ووجهها لوديان شرعب وشمير وذراعها الأولى في البحر والأخرى في جبال وسهول الحجرية، سيكون قدرها هو الحياة والنور، قدرك يا تعز أن تكون مشكاة تنوير ودار حرية، ومنبع أحرار يحملون همّ كل اليمن، ويعملون لأجل كل اليمن.
تداعي أبناء الجنوب من عدن ولحج لتحريرك هو عرفان بجميل صنعك تجاه كل البلاد، وكانوا هم أهل لكل معروف، دماءهم الطاهرة ستذهب بعيدا في عمق أرضك، لتروي كل جذر للحرية والمعرفة، وستنبت في كتب التاريخ دروسا للأجيال، في الحرية والإباء والوطنية، شهداء الجنوب في تعز لن تظل أسماءهم حبيسة الأوراق بل تحولت إلى مشاعل من نار ونور، وقناديل تضيء عتمة ظلام عمره ألف عام، منذ أن وطأ أرض اليمن خرافة أسمها "آل البيت" وزاد في حلكتها مجيئ نكرة إلى الحكم أسمه صالح، كان على أرضك يا تعز يهرب الخمور للعاهرين فأصبح رجل الدولة الأول، وتلك احدى سخريات القدر، ممن لا يذهبون بأنظارهم نحو المستقبل البعيد، والتفكير بمصير جيل ووطن.
لم يفكروا يومها، ويسألون: ماذا عساه مهرب خمور أن يفعل؟
ذهب هو بسلاحه واغتصب الحكم بتواطئ دولي، وأرسل أمواله لمشائخ شمال الشمال ليرضوا عنه، ليمتد رضاهم -عن أمواله لا عن حكمه- لعقود طويلة، ولا يزالون إلى اليوم يرسلون أبناءهم وعبيدهم لقتال اليمنيين وتدمير اليمن.
عليك يا تعز أن تكوني الشقيقة الكبرى والعقل الناضج والقلب الحنون لكل محافظة في اليمن، أعرف أنك تدركين ذلك، وإلا لما ترك صالح والحوثي كل البلاد وتفرغا لقتالك وحدك، يريدان قتل النور المشع من ضلوعك، إطفاء المعرفة التي تتوقد في ذهنك، إخفاء الصوت المتحرر في فمك، إنهاء الوطنية في دمك، تشويه الجمال الباسم في وجهك، يريدون ما لا يستطيعون ويحلمون بما لا يملكون.. أنت ملك لكل يمني غيور، بل ملك لك البشرية.. وهم؟!
هم غبار عابر في زوبعة!
أعرف أن جراحك كبيرة من أبناءك المتحوثين، خاصة من أبناء الأسر المهاجرة إليك من شمال الشمال، أحسنت إليهم ومنحتيهم كل ما تملكين من الحب والجمال والمعرفة وحسن التربية.. لكنه العرق دساس، والطبع خسيس.. هم ليسوا أكثر من أوساخ علقت بيديك، وستغسلينهم كما يغسل أبناءك العائدين من العمل أيديهم كل ظهيرة.
· من صفحة الكاتب بالفيسبوك