باسم العبسي
لم نعد نفهم ما يجري من حولنا ، اغتيالات و تفجير وقصف وقتل واختطاف وفقر وموت هذا كل ما يتوفر حاليا في الاسواق اليمنية . لا شيء غير ذلك. سوق سوداء و أناس لهم مكاسب ، الفساد لا يزال يفرض هيمنته وبشكل اكبر وعلني وبكل وقاحة ولسان حالهم يقول ارونا ما انتم فاعلون.
ثم ، الضعفاء وقليلو الحيلة المحتاجين والمتضررين من الحرب هم من تهان كرامتهم وتداس إنسانيتهم ويموتون جوعاً ويشردون بعد ان كانوا أعزاء وتخلى عنهم الجميع ، فلا احد يلتفت لآلامهم ، لا شرعية هادي وبحاح المجردة والتي اصبحت غير مستمدة من الشعب ولا سلطة الامر الواقع المستمدة من الميليشيات الإجرامية.
وحدهم الابرياء من يدفع الثمن باهظا لحرب لم يريدوها ، بل اكُرهوا عليها وخسروا بيوتهم واهاليهم وضاق بهم الوطن الوسيع حتى انه لم تعد تسعهم منطقة صغيرة لتكون ملجئ لهم وخالية من الصراخ والانين. ليس لدينا حكومة تعرف جيداً معنى أن يسقط الناس بالمئات والآلاف في مجازر مروعة، ومازالت تمارس هذا السكون المريب. السياسيون لديهم استعدادا مُرضي للعبور على جثث الشهداء في الطريق إلى مصافحة القتلة! يختار الرجال مصائرهم وسيقرأ احفادنا في كتب التاريخ ان ساسة اليمن تخاذلوا مع الابرياء ومع تعز عندما احتاجوا لهم.
ماتت الاعلامية جميلة جميل ومات محافظ عدن جعفر وهناك الكثيرون من يتساقطون يومياً بصمت لا نعلم عنهم شيء حتى اصبحت الدماء تتوفر اكثر من المياه المتوفرة في خزانات الشرب. آلاف من المآسي والحال البائس والمؤلم لكثير من الناس الذين يوصلهم إلى اختيار طرق أكثر إيلاما وقسوة ليعيشوا. اصبح الناس يحلمون بسقف منزل صغير يستر عيوبهم ولقمة نظيفة غير ملطخة بالدماء وقليل من الماء بغض النظر ان كان نقياً او ملوثاً.
الناس في بعض المناطق التي تحاول الميليشيات فرض سيطرتهم عليها لم يحملوا آلة الفناء طربا ولا زهوا وانما أجبر رجالها وطلابها على حمل السلاح في وجه أولئك الغزاة القادمين من الكهوف بعد ان تحول الجيش الى ميليشيات كما هو الحال في تعز مثلا، فحمل السلاح لم يكن للتباهي والفخر والتعالي بالمدينة الحالمة تعز وانما بقدر ما هو في تقدير قرارات أنفسهم انه واجب إنساني في ظل هذا الظرف الاستثنائي العصيب والذي يهدف من خلاله الى حماية أنفسهم وحماية الأجيال القادمة من تسلط ثقافة الاذلال والتركيع والتبعية التي تمارسه تلك الميليشيات الحوثية الإجرامية بأساليب عفاش في التحايل والمراوغة وبأدوات ظاهرها الشراكة والوطن الواحد وباطنها الانقياد والطاعة العمياء للمركز المقدس.
ميليشيات الحوثي وصالح الإجرامية تحاصر مدينتي وتقتل أطفالها ونسائها وتمنع عنهم الماء والدواء والغذاء وحتى انابيب الأوكسجين ، وتحاول أن تقنعنا إن العدو هو شخص أخر. في تعز وحدها لا يكاد يمر يوم بلا مجزرة جماعية للمدنيين وبحسب ما تشير إليه بعض الإحصاءات فان عدد القتلى والجرحى من المدنيين يتحرك صعوداً كل يوم بلا نقطة نهاية واضحة.
ترتكب قوات صالح المنشقة وميليشيات الحوثي جرائم وانتهاكات لحقوق الانسان خطيرة وجسيمة بحق مدينة تعز وسكانها وبالأخص استهداف الاحياء المدنية والاسواق الشعبية والمستشفيات والمرافق الصحية واستمرار الحصار والعقاب الجماعي. يجب ايقاف تلك الممارسات ومعاقبة مرتكبوها فتلك جرائم لا تسقط بالتقادم كون هذه الافعال تعد انتهاكاً لقواعد القانون الإنساني الدولي وكافة مواثيق حقوق الإنسان ولا نجد أي استنكار واضح واستغرب من الصمت العربي والدولي تجاه ما يتعرض له السكان المدنيين وخاصة الاطفال والنساء من قتل وتنكيل وحصار.
ان استمرار الحصار المفروض على السكان المدنيين والقصف الممنهج للأحياء المدنية في ظل الوضع الصحي والغذائي التي تمر به المحافظة يقود الى كارثة سيصعب تداركها وسيطال الجميع ضررها مالم يكن هناك خطوات جديه على ارض الواقع لإنقاذ المدينة وسكانها من خلال رفع الحصار وايقاف القتل المستمر للسكان المدنيين.
تؤكد بعض وسائل الإعلام العالمية بخصوص الأحداث في اليمن على أنها حرب بين أطراف متنازعة، و تهمل العامل الرئيس الذي هو عدوان ميليشيا صالح والحوثيين ضد المدنيين ، هناك تعتيم شديد على معظم اخبار اليمن عالميا، لا سيما في مدينة تعز ، في حين أن ميليشيا صالح والحوثيين تواصل عدوانها ضد المدنيين الأبرياء لأكثر من سنة على التوالي مما تسبب الى زيادة معاناة المدنيين، وسط صمت رهيب على المستوى العالمي، حتى الآن يرتكب ثنائي الإجرام كل أشكال جرائم الإبادة ، ويلاحظ ان لديهما ما يشبه رضا دولي مفتوح لارتكاب المزيد ، فمهما فعلا، ففي الانتظار صفقة وتسوية تعيدهما إلى الواجهة، رغم أنف الضحايا وبلا مساءلة .