سياسات الدول الكبرى لا تقررها عوارض ولا تغيرها تباينات بين الحلفاء حول مقاربة مستجدات أو سلوك جامح لدولة كبرى أو دولة ترتبط بحلف استراتيجي مع دولة كبرى. حكومتا الولايات المتحدة الاميركية وانجلترا مررتا مشروع القرار السعودي بشأن انقلاب الحوثيين على السلطة التوافقية في صنعاء، والتهديد الذي تمثله ميليشيا الحوثيين للأمن السعودي، وصار المشروع قرارا دوليا يحمل الرقم 2216. حكومة روسيا الاتحادية مررت القرار لأنها امتنعت عن استخدام حقها في الاعتراض كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي. وامتناع القادر على المنع يعني صراحة، تأييد المقاربة السعودية_ وبالتالي دول التحالف العربي_ للأزمة في اليمن. القرار الدولي 2216 صدر بعد انطلاق العاصفة السعودية، ما يعني شرعنتها وتوفير المظلة الدولية للحكومة السعودية لتواصل تدخلها العسكري في اليمن لدعم "الشرعية" أو باسم دعم هذه الشرعية! لم يطرأ جديد في نهاية يناير 2016 يبرر نقمة الحوثيين على حكومة واشنطن التي صارت سببا لتعطيل فرص إحلال السلام في اليمن حسبما صرح قبل يومين الناطق الرسمي لجماعة الحوثيين. الدعم العسكري والديلوماسي الدولي للسعودية قائم منذ البداية. وما يمكن فهمه من تصريحات قيادات حوثية ومن حملات في مواقع التواصل الاجتماعي يدشنها قادة بارزون في الجماعة كرئيس ما يسمى "اللجنة الثورية العليا" محمد علي الحوثي، تحمل ادارة اوباما مسؤولية "قتل اليمنيين"، هو أن الحوثيين وقعوا ضحية تضليل من قبل أطراف اقليمية أو دولية، او أن إدراكهم لطبيعة العلاقات الاميركية_ السعودية وأبعادها كان قاصرا، أو أن التضليل والإدراك القاصر تضافرا فانطلقت "عاصفة" أخرى في جنوب الجزيرة العربية تطلق "هاشتاجات" في مواقع التواصل الاجتماعي ضد العدو الجديد للحوثيين: اميركا! لكن اميركا ليست "العالم الجديد" الذي يتم اكتشافه، الآن، وبعد أكثر من عقد من تأليف الوثائق التأسيسية للحوثيين: ملازم (محاضرات) المؤسس حسين بدرالدين الحوثي رحمه الله. اميركا كانت حاضرة على الدوام في عقل الجماعة التي اشتهرت في بداياتها باسم "جماعة الشعار". والشعار المقصود هو شعار الموت لاميركا الذي يكسو العاصمة اليمنية صنعاء والمحافظات التي يسيطر عليها مسلحو الجماعة. والسؤال الذي يبدر توا: هل كان الشعار محض هجوم استباقي للجماعة أم أنه أداة فرز وتصنيف في حروب داخلية؟ كما كل جماعة عقائدية، فإن من الثابت أن للشعار قدسيته لدى "مجاهدي" الجماعة الأوائل بحسبانه صيحة احتجاج في وجه "طاغية" موال ل"الشيطان الأكبر". لكنه في حركية الجماعة في سنوات لاحقة، وبخاصة بعد 2011 وقد صار "الطاغية" حليفا في أزمة داخلية، تنزل الشعار من عليائه ليبيت محض أداة تكريس حضور وانتشار وتحشيد في صراعات داخلية. *** اليمنيون يحتربون كما في أغلب صفحات تاريخهم. والموقف من التدخلات الخارجية، الاقليمية خصوصا، يتقرر لدى الأطراف الداخلية، سياسية واجتماعية (وجهوية من أسف)، بحسب الطرف الداخلي المستفيد من هذا التدخل. وبينما تستشرس هذه الاطراف أو العديد منها، في حروبها الداخلية الدموية والمدمرة، فإنها تظهر، على الدوام، اشارات ود وتطمين للقوى الاقليمية والدولية أملا في تكريس تسلطها على الشعب المغدور (كثوراته). الثابت أن الحوثيين ارسلوا_ خلال السنوات الماضية وبخاصة بعد اجتياح صنعاء في 21 سبتمبر 2014_ إشارات تطمين عديدة إلى أطراف اقليمية ودولية عديدة، بينها الولايات المتحدة الاميركية. لذلك تتعاظم عندهم مشاعر الخيبة في "عدو" ينادون، ليلا نهارا، بموته، وينكلون بأي يمني يعترض على "صيحتهم" المميتة! استطرادا، فإن من الواجب التنبيه إلى أثر السياسات الاقليمية والدولية في سلوك الفاعلين اليمنيين؛ فمقاربة اليمن بما هو موضوع الصراع الاقليمي، منذ عقود وحتى اللحظة الراهنة، وأحد مواضع تفريج التوترات بين القوى الاقليمية القاعلة، أدت إلى تكريس ثقافة "الوكيل" المحلي الذي يلعب لصالح اطراف اقليمية (وخاصة الرياض) أو دولية (اميركا منذ انهيار المعسكر الاشتراكي وانتهاء حقبة الحرب الباردة). لقد حكم هذه المحدد الخارجي سلوك الطراف اليمنية من صالح إلى الاصلاح إلى الحوثيين. من يتوسل احتكار تمثيل اليمن (الكيان والهوية والانسان) عليه أن يعمل من أجل نيل اعجاب الرياض وواشنطن، اللتين تتمايزان احيانا في الموقف من اليمن أو من يحكم اليمن. خلال نصف القرن الماضي تعيّن اليمن [الشمالي بداية، ثم اليمن الموحد] ك"دولة حاجز" في خدمة السياسة الدفاعية السعودية. أراد الحوثيون في لحظة شطط، الاضطلاع بهذا الدور كورثة للرئيس السابق صالح وحلفائه التقليديين، وبخاصة اللواء علي محسن الأحمر وجماعة الاخوان المسلمين_ فرع اليمن، التي ابتعدت وئيدا وئيدا، عن المحور السعودي منذ حرب الخليج الثانية في مطلع التسعينات. لكن لعب هذا الدور في قرن جديد وعصر مغاير وبيئة اقليمية تشيع فيها "الاصوليات" و"حروب الطوائف"، يقتضي ما هو أكثر من رسالات الود والتطمين والتأمين (!)، فالسباق في اليمن هو في واقع الأمر سباق على اليمن. وكذلك هي الحرب بمعزل عن دوافع المحتربين اليمنيين ونواياهم وخرافاتهم ... وخيباتهم! أطلق الحوثيون قبل أسبوع عاصفة "هاشتاجات" في تويتر وفيسبوك ضد "الشيطان الأكبر" الذي لن ترتجف أوصاله لمرآى ضحايا غارات التحالف العربي على اليمن، ولن يطلق آوامر صارمة لحليفه التقليدي في المنطقة، الملك السعودي، بوقف الحرب فورا. الحرب في اليمن لن تتوقف من أسف بجولات المبعوث الأممي وحفرياته الآثارية والاجتماعية في المنطقة وداخل اليمن. اليمن بعد ثورة 2011 الشعبية السلمية لا يمكن أن يحكم بالإخضاع وبإرهاب السلاح. والحرب تتوقف، فعليا، بالعودة إلى "الشرعية التوافقية" التي لا تتأتى إلا بإنهاء مفاعيل الانقلاب الذي شهدته العاصمة اليمنية قبل عام، وبتخلي الحوثيين، و"الشرعيين" أيضا، عن الأوهام التي أخذت اليمن ب"الحوار" إلى الحرب.