الجماعات الإسلامية المعاصرة وموجهات المرحلة الراهنة

2016/03/22 الساعة 11:43 صباحاً

التطور في الخطاب والتعاملات هو انعكاس طبيعي لتطور الفعهم والوعي لدى الفرد والجماعة ، ويترتب على ذلك تطوير الأدوات والوسائل . وموضوع كهذا ليس ببدعة في تاريخ الدعوة والدعاة ، من لدن آدم عليه السلام وحتى بزوغ نور الدعوة المحمدية الخاتمة والكاملة والتامة المتممة لكل الدعوات السابقة . وحتى في مورثنا الفقهي الإسلامي نجد ظاهرة التحديث والتطوير والتطويع للزمان والمكان والمكلفين يبدو جليا وحاضرا وبكل وضوح بل أصبح من المسلمات التي لا جدال فيها ، بل هي مما يفخر بها الدعاة والمصلحين والمنتسبين لهذا الدين ويعتبرونها دليل مرونة وحيوية وشمولية أختص الله بها ديننا .


وبعد هذه التوطئة أعلاه وحتى لا أطيل عليكم في الكلام فإنني أتوسل إلى الله العلي القدير أن يوفقني في حسن طرح وعرض قضية طالما أشغلت بال الكثيرين من المهتمين . وأود هنا ان أطرحها على طاولة النقاش الجاد والمسؤول ، ربما في هذه اللحظة سيقتصر حديثي فقط على من ينتمون للجماعات الإسلامية العاملة في الساحة بشل عام وفي حضرموت بشكل خاص كونني أحد قاطنيها لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص القصد ، 

في ظل هذه الظروف التي تمر بها بلادنا عموما بات من المتوجب السعي الحثيث إلى جمع الكلمة ورأب الصدع والتوفيق في وجهات النظر وجمع الجهود صوب الوصول إلى المقاصد والأهداف المشتركة الجامعة ولا شك في وجودها ، بل ربما هي أكثر بكثير من الخصوصيات والتفرعات والمختلفات .

يجب أن نوقن بأن لكل مرحلة من المراحل معطيات خاصة بها وأولويات يتطلب مواجهتها قبل غيرها وقد تتغير من وقت لآخر ، ومن فترة لأخرى ، وقد يكون هذا التغير سريع أو بطئ بحيث تتغير الأولويات بطريقة دراماتيكية غير متوقعة وهذا يرجع فهمة إلى دراسة الواقع المعاش وتفاعلاته المختلفة وكذا فهم مربع المخاطر والفرص والتهديدات المستجدة. هذا كلة يتطلب من المختصين في الجماعات الإسلامية وضع موجهات عامة تنطلق من المقاصد الكبرى التي تجمع الجميع وتخدم الجميع أو تهددهم على حد سوى . هذه الموجهات يجب أن تظل حيوية وحاضرة وقابلة للتحديث بصورة شبهة مستمرة . هذه الموجهات العامة يجب أن تشمل : الخطاب الوعظي ، الخطاب السياسي ، صناعة التحالفات ، تحديد المواقف من القضايا المحلية والوطنية والإقليمية والدولية ، وتتضمن الثوابت والمتغيرات . ولا مانع من الأستعانة بمن يثوق به حتى ممن لايحسب تقليديا على الجماعات الإسلامية خصوصا ممنا لدية خبرة ونزاهة وشعور بالهم العام والحس الإسلامي الواعي والمبصر . فلم يعد الاهتمام بالشأن الإسلامي اليوم مقتصرا على من يصوفون بأنهم الدعاة أو المنتمين للجماعات الإسلامية كما كان يظن قديما بل ربما تجد من يشاطرك هذا الإهتمام من عامة الناس بل ربما ممن لا يظهر عليه صورة الألتزام الظاهري ولن آخذكم بعيدا إذا وسعت دائرة الإهتمام لتتعدى الدوائر التي تؤمنون أنتم بها حتى لا ندخل في جدل وتجادل ،هذا محور مهم في ما أريد أن أوصله للجميع من خلال مقالي هذا . 

لايمنع بعد أن يتفق الجميع على هذه الموجهات العامة وما يمكن أن يندرج تحتها من نقاط وتفرعات لايمنع بعد ذلك من أن يكون لكل جماعة اهتماماتها الخاصة بها وتوجهاتها التي تتفرد هي بها وخصائصها التي تتميز وتتفرد هي بها . فكل ميسر لما خلق له ولا يمكن أن يلغي أي أنسان دور الأنسان الآخر وأي طرف دور الطرف الآخر وهذه سنة الله في إعمار الأرض والحفاظ على حيويتها وتنوع الخلق فيها وهذا أمر مسلم به لدى الجميع تقريبا . 

إن عدم تقييمنا الصحيح للتطور الحاصل من حولنا على المستويات المختلفة سواء على مستوى المجتمعات التي نعيش فيها أو على مستوى التفاعلات السياسية والاقتصادية التي تشهدها بلداننا أو على مستوى المحيطين الإقليمي والدولي ، أن عدم مقدرتنا على تقييم كل هذا ومعرفة ما لحقها من تطور متسارع وكبير خلال عقود بل قرون من الزمن سيجعلنا كمن يخاطب أصم أو ينادي على أعمى أو يحرث في بحر أو.......الخ . 

يجب على الجماعات الإسلامية العاملة أن تدرك بأن تطورات مذهلة قد حصلت من حولها تجاوزت بكثير خطاب واهتمامات كثير من الجماعات الإسلامية بل ربما كلها ، ومن المضحك والمحزن ايضا أن أشير هنا إلى أن بعض هذه التطورات التي حصلت والقفزت لنوعية في فهم المجتمع للدين والحياة يرجع الفضل فيه بعد الله لما قامت به هذه الجماعات الإسلامية من دور توعوي وتنويري وتعليمي في أوساط الناس والشباب خصوصا خلال العقود الماضية الأخيرة ، لكن للأسف أن الذي حصل هو أن تقدمت قدمت هذه المجتمعات في فهمها وتطورت وقفزت إلى الأمام بسرعة كبيرة بينما لا تزال الجماعات الإسلامية هي نفسها تراوح مكانها ولا تكاد تستوعب ما يحصل حولها ، وتظلم نفسها والمجتمعات التي وثقت فيها وتربت على يديها حينما تظن بأن شئ لم يحد أو أن ما حدث لايزال شئيا طفيفا جدا ، وأنا هنا لن اسرد وقائع واقارن بين اليوم والأمس وماذا كان يحصل قبل عقد أو عقدين من الزمن فقط هنا في مجتمعاتنا وليس في غيرها من فهم ووعي مجتمعي تجاه الخطاب بل والفعل الديني ، إنني أقول وبكل حرقة والم وخوف وقلق مالم تبادر الجماعات الإسلامية سريعا تواكب المرحلة الراهنة وتواكب التطور المجتمعي الحاصل من حولها فإنها ستصبح اليوم معول هدم بعد ان كانت بالأمس عامل بناء ، وقد تنفلت الأمور من بين يديها مرة أخرى وتحصل انتكاسة أكبر مما سبق لدى عامة الناس ونخبه نظراً لكون خصوم الحركات الإسلامية يتمتعون بديناميكية سريعة التكيف مع الواقع وتستطيع تجيير كل شيء لصالحها وفق السياسة الأمريكية الحديثة القائمة على الاستيعاب المزدوج والذي يعني أن تستفيد من خطتك وخطة خصمك أيضا . وهذا منتهى المكر والدهاء ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) .

يسحبني الحديث بعيداً ، وتزدحم الأفكار وتتوارد الخواطر على مخيلتي ، فأتذكر أنني امام جمهور يعزف عن القراءة غالبا ، لكنني سوف أحاول أن أختصر وانهي كلامي لأن ما أكتبه هنا ليس سوى رؤوس أقلام تصلح أن تكون ورش عمل ، وحلقات نقاش ، ومواد بحث مستفيض . 

والخلاصة أريد أن اقول بأن ما كان يعتبر مطلبا أساسيا وملحا للجماعات الإسلامية في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي ربما لم يعد اليوم مطلبا ولا حتى يستحق الاهتمام به فقد أصبح اليوم من المسلمات التي لا يختلف فيها أثنان ، بل ربما الذي كان حلما في يوما ما صار اليوم مكتسب وحق وواقع لا يستطع أحد أن يفكر ولو مجرد تفكير أن يتعدى عليه أو أن يقفز فوقه ،وهذا بفضل الله أولا ثم بجهودكم ايها العاملون لهذا الدين . فلماذا تضل الجماعات الإسلامية أسيرة ذلكم المطلب القديم الذي عفى عليه الزمن ورهينة ذلكم الخطاب والتوجه الذي بلا شك كان مواكبا ونافعا لتلك المرحلة ، بينما المرحلة الراهنة قد فرضت تحدياتها الجديدة ومطالبها الملحة العاجلة والناس اليوم تنتظر منكم ما يلبي متطلباتهم الحديثة بعد أن أعجبا بكم بالأمس عندما لبيتم متطلبات مرحلتهم تلك . إن مجرد خطاب توعوي عابر ، أو موعظة جميلة تقال ، أو خطبة عصماء تلقى ، أو جمعية خيرية تؤسس ، أو ملتقى شبابي ، أو أمسية فنية إنشاديه ، أو شريط ، أو مقطع مؤثر ..... الخ . كل هذا لم يعد هو مطلب عامة الناس ، فقد تشبعوا من ذلك حد الثمالة وهم ينتظرونكم لتواكبوهم في احدث متطلباتهم فقد كبروا هم في فهمهم ويجب عليكم أن تكبروا انتم في أعينهم وتتقدموهم نحو مطالبهم الأكبر والأهم في هذا اللحظة التاريخية ، وثقوا بأنكم بذلك ستقدمون أكبر خدمة لدينكم وأنتم تحرسون منجزات هذه الدعوة التي الذين زرعتم بذراتها قبل عقود من الزمن ، فكلما كبرت النبتة احتاجت إلى رعاية أكبر وليس العكس . إن الشباب والأطفال الذين ربيتموهم قبل عقدين من الزمن قد صاروا اليوم رجالا بل كهولا بل قيادات كبيرة في شتى مناحي الحياة وهم ينتظرون منكم مواصلة إرشادهم وتوجيههم بما يلبي متطلبات المرحلة الراهنة ويؤسس للمستقبل الأفضل .. وأنا هنا لا أريد من أحد أن يفهم أنني انتقص من دور الخطاب الوعظي بجميع اشكاله حاشا وكلا بل لابد منه فهو يظل صمام أمان المجتمع المسلم كله ، لكنني أريد أن اقول بأن هذا لم يعد وحده كافيا ولا شافيا فلابد من الإلمام بجميع متطلبات الناس في جميع إحتياجاتهم المختلفة وهذه هي حقيقة الدين الحق الشامل الكاملة المحيط بجميع شئون الإنسان . 

وأنا هنا لن اخوض في التفاصيل وسأترك للمهتمين مجال أثرى الموضوع أكثر ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .