مناسبة لدعوات الانفصال والنقاش المحتدم عّن فشل الوحدة واستحالة استمرارها ومشروعية العودة الى التشطير للخلاص من هذه الفوضى وسبيلا لتجنب حرب ستطول بين شمال وجنوب، تتوجه في العادة أصابع الاتهام الى حرب ٩٤ باعتبارها المنعطف الذي ضرب مشروع الوحدة في مقتل.
سيكون من ضروب الجهالة نفي صلة تلك الحرب بمآلات الوضع اليمني الراهن، لكن علينا ان نلاحظ ان عملية خداع كبرى تستهدف الوعي العام تجري بانتظام وتصور تلك الحرب على انها اجتياح شمالي ( بالمفهوم الشطري ) للجنوب.
ولا شك سيلاحظ القارىء ان هذا التوصيف صار عقيدة راسخة وقناعة ثابتة وكأنهما مسلمتان يقينيتان لا تقبلا الشك والجدل.
ويقينا ينبغي الإقرار بما نجم عن تداعيات تلك الحرب من تهميش واقصاء واستئثار بالسلطة والثروة لصالح مراكز نفوذ ضدا مصالح الشعب بأسره خاصة في جنوب وشرق البلاد. وما نتح عنها من سخط وتذمر.
ورغم ذلك أتمنى ان نتشاطر الإجابة ع التساؤلات التالية
لماذا الإصرار ع توصيف حرب أربعة وتسعين باعتبارها حرب بين الشمال والجنوب بينما في الواقع كانت حرب بين مراكز قوى في السلطة وتداخلت فيها التحالفات هنا وهناك.
كيف يمكن تبرير وتسويق مفاهيم ومغالطات تتجاوز حقائق الجغرافيا والتاريخ لتكريس جديد لمفهوم دولة شطرية عمرها اقل من سبعة عقود ونقفز ع تاريخ وموروث عريق ليس وليد القرون المتأخرة بل الى ما هو ابعد.
كيف لنا ان نؤسس لنزعات الجهوية والمناطقية ضدا الهوية التاريخية وضد مصالح فئات اخرى من الشعب.
كيف لنا ان نفهم السعي المحموم بدواعي المصالح الانانية فردية او جهوية او مليشاوية او ايدلوجية... الخ الى إقصاء وتهميش مصالح الآخرين.
اذا كان الاستحواذ ع مصلحة طرف ما او جهة او منطقة او جماعة لصالح جهة او منطقة اخرى عمل مدان ومرفوض وغير مشروع وسببا لاحتقان يتطور الى رفض ومواجهة وحرب، فكيف للبعض ان يدافع عن مصالح جهوية ضد المصلحة العامة؟
اذا كانت الوحدة ليست مقدسة فالانفصال ليس فرضا ولا واجبا محتوما ومصيرا لا بديل عنه.
اذا كانت الوحدة ليست بالقوة فلماذا الانفصال سيكون جبرا.
لماذا من ينادي بالانفصال وتشطير اليمن او باستعادة الجنوب له الحق في ذلك، فيما لا مشروعية لمن ينادي بالوحدة.
لماذا يجب سماع من ينشد الانفصال وممنوع كل صوت مغاير. بل ويكون صاحبه عرضة للسب والشتم والتهديد والتخوين.
لماذا اصبح مفهوم تجزئة البلدان عملا مشروعا ونضالا وحرية ، وتحولت ثقافة التوحد والتلاحم الى خيانة وعمالة.
أسئلة كثيرة في السياق ذاته ربما تكشف عن تلاعب قذر في وعينا كرسته مصالح ورغبات خدمة لمشاريع صغيرة وقد يكون بعضها مشبوها.
وفي المحصلة نحن بحاجة الى اعادة تقدير للموقف والتوقف ع الانسياق الأعمى واللاوعي ضد الذات
والتراجع عن حماس مفرط مبني ع افتراضات لا تخدم مصالحنا ولا مستقبلنا.