تتسارع الأحداث في الجنوب بشكل دراماتيكي ومتشعب منذ تحرير المكلا والذي شكل رافدا حقيقيا نحو مطلب الحرية و استعادة الدولة، لكنه وفي الوقت نفسه بدأ يدخل مرحلة هي الأخطر في تاريخه هي أشبه ما تكون بحرب من أجل البقاء،
كان للمقاومة الجنوبية دور بارز في الحرب ضد الإرهاب، الملف الأكثر أهمية و طرقا على اسماع المسؤولين في الحكومة الشرعية و على قادة دول التحالف العربي بزعامة السعودية من قبل المسؤلين الغربيين، إثبات دور فاعل في القضاء على الإرهاب سيكون نقلة نوعية في مسار الجنوب وقضيته.
بجدارة يتصدر اللوائان عيدروس و شلال المشهد الجنوبي، ويبذلان جهودا جبارة لتقديم نموذج يحتذى به و يبنى عليه في إدارة المناطق و فرض الأمن و تحسين الخدمات ، لكن الأهم هو القدرة على الحفاظ على تلك المكتسبات و عدم انزلاق الأوضاع خصوصا في الملف الأمني،
تحتاج الأوضاع في المناطق المحررة وخصوصا عدن إلى التأني واللعب على عامل الوقت، لكن جهات في التحالف العربي تستعجل رؤية ثمار الجهود المبذولة، فتخطيء من حيث أرادت الصواب.
مؤخرا عرض الاماراتيون على شلال السفر إلى الأردن وحضور دورات مكثفة في مجال مكافحة الإرهاب، مقابل التنحي عن منصبه!، وكان رد شلال واضحا دون مخاتلة: "إذا كانت هذه رغبة شعب الجنوب؟ فأنا موافق"، بحسب مصادر حضرت اللقاء،
بيد أن قرار الحملة و ترحيل الشماليين اتخذ بعيدا عن دراية محافظ عدن الذي يقع تحت الإقامة الجبرية في معسكر القوات الاماراتية، ومدير الأمن، و تصدرت شخصيات جديدة للتصريح باسم الحملة الأمنية، سبق ذلك وتبعه مداهمات بعض المنازل دون علم مدير الأمن، كما سلم السجن المركزي في المنصورة إلى المقاومة السلفية،
بمعنى آخر، فإن المحافظ ومدير أمنه لا يعلمان بكثير من القرارات التي اتخذت و ستتخذ، و ستتسبب في كثير من الجدل الذي يضعهم أمام تساؤلات عدة، ومطالبون بتبريرها أمام الرأي العام، وما تؤدي إليه من إضعاف الرجلين شعبيا بما يمثلونه من عمق اجتماعي و رصيد شعبي كبير في الجنوب وقضيته.
تخطيء قيادة التحالف في عدن بتعاملها مع عيدروس وشلال كورقة ضمن أورق اللعبة السياسية، والقفز على كونهما استحقا منصبيهما بجدارة و تأييد شعبي جنوبي كبير، وجودهما على رأس السلطة في العاصمة عدن يعبر بما لايدع مجالا للشك بحلحلة الأمور فيما يخص مطالب الجنوبيين في حل عادل لقضيتهم.
ردة فعل الرئيس هادي بدت متفهمة لمجريات الأمور و ما يتعرض له المحافظ ومدير أمنه من حد للصلاحيات وتعدد مراكز اتخاذ القرار المدني و العسكري في المدينة.
يحدثني مقربون من شلال بأنه رفض عرضا إماراتيا للانتقال إلى معسكرهم لوجود خطر على حياته، و قرر البقاء في منزله في التواهي، وذلك بعد تعرض الموكب الذي كان يقله ومحافظ عدن لتفجير انتحاري بعد خروجهم من اجتماع في معسكر القوات الاماراتية.
حسنا إذن، فلا مصلحة للإمارات في إرباك الأوضاع في عدن من خلال تغييرات في المناصب قد لا تكون ضمن تطلعات الناس، لكن وقوعها تحت الضغوط الدولية لإحداث تحسن في المدن المحررة تزامنا مع مفاوضات الكويت، قد يصيبها بالعجلة التي تجعل من قراراتها بعيدة عن الواقع.
ماذا عن تلك التصرفات و الطريقة التي يدار بها ملف المدن المحررة و عدن على وجه الخصوص، وهل يصب إقصاء قيادات من الصف الأول في السلطة المحلية والامنية، في صالح الاستقرار و فرض هيبة الدولة! وماذا يجدي دعم جهات على حساب السلطات الرسمية لاستجلاب السيطرة؟.
أجدر بدول التحالف و الامارات تقوية مؤسسات الدولة ورموزها وإرساء دعائمها، وأهمية ذلك تمثلت بسرعة إصدار الرئيس هادي قراره بدمج المقاومة في الجيش والأمن، لخطورة وجود أي فصائل تحمل السلاح خارج إطار الدولة حتى لو كان للدفاع عنها!، فكيف بمن يستخدمه في تقويض جهود قياداتها و اقصاءهم.
يعلم الجميع أن تعيين اللوائين عيدروس وشلال ساهم إلى حد كبير في تهدئة الأوضاع في الشارع الجنوبي لما يمتلكانه من رصيد وشعبية، لكن تحسن الأوضاع آخذ في التباطؤ الذي سينعكس إلى سخط عارم من شأنه عرقلة أي جهود حكومية قادمة، لأن البديل هو الفوضى!
لكم أن تدركوا أن الناس لازالت متحملة كل هذا التدهور وخصوصا في قطاع الكهرباء لا لشيء سوى لأنها تشعر بجهود المحافظ عيدروس الصادقة و أن المشكلة أكبر من أن يعمل على حلها بشخصه، و اخلاف الجهات الداعمة لوعودها دون أدنى تبرير.
لم تكن الامارات بحاجة إلى زيارة الرئيس هادي إليها سرا لفتح مطار عدن و دعم كهرباءها وبقية القطاعات، إذ كان من البديهي دعمها للمحافظ الذي عين بطلب منها، و لا شك بأن نجاحه سيعود أثره عليها، فلماذا هذا التباطؤ في حل المشكلات الأساسية و إبقاء الأوضاع مرتبكة؟!
بدأ لافتا غياب الرجلين عن الإعلام في مشهد غامض يثير الشكوك حول مصيرهما و أماكن تواجدهما في الوقت الحالي، و صمتهما المطبق حيال تلك التحركات وعدم التعليق عليها، فيما عثر على جثة قائد حراسة اللواء شلال، ويدعى ماجد محمد الشاعري مقتولا في مسقط رأسه في منطقة وادي الصفراء في قرين الشاعري،
نتفهم امتعاض ابوظبي من إقالة "بحاح" من منصبيه، و توتر العلاقة بين الرئيس هادي و أبوظبي، لكن ما لانفهمه أن يترجم ذلك في تفاقم الأوضاع الأمنية و الخدماتية في المدن الجنوبية المحررة و على رأسها العاصمة عدن، وليس من الصواب إضعاف المحافظ ومدير أمنه، اللذان يبديان تعقلا كبيرا تجاه تلك التصرفات، وسط تعاطف شعبي كبير من الشارع الجنوبي.
فهل ينطبق علينا المثل القائل (من تزوج من الهيجة، أصبح عمه جبل شمسان).
د. نيفين العلوي