موسى المقطري
عام ونصف مرت وتعز تعيش حالة حصار وقصف غير مبررة نفذها طرفا الانقلاب المشؤم ، طالت مختلف جوانب الحياة في المدينة وتركت أثاراً لم ولن يمحوها الزمن ، ولن تنساها الأجيال .
تعز ايفونة الثورة لها السِبق والتميز في كل شئ ، حتى حين نتحدث عن الموت وعن الدماء المسفوكة ظلماً تظل هي الأولى والرائدة والسائدة .
خلال عام ونصف عانى التعزيون مختلف أشكال الأذى قصفاً وقنصاً وحصاراً واختطافاً ، وكما نالها الكثير من تصرفات مليشيات الانقلاب نالها الوجع من ظلم ذوي القربى ، وهو لعمري اشد مضاضة وامرُّ مذاقاً .
تعز قاومت الحصار بالصبر ، و القتل بالقتال ، وصبرت ولازالت على ذوي القربى ، وعلَّمت العالم كيف يحمي الحرُّ كرامته ولو كان الثمن روحه ، وعلى أزيز رصاص المليشيات غنت لنفسها لحن الحرية ، وانشدت تراتيل الصمود ، وكتبت بدم الشهداء قانون الثبات ، واثبتت صحة قانون الكرامة ، وسلامة طريق الأحرار إلى الفجر .
خلال عام ونصف عانت الحجارة في تعز قبل البشر ، والطيور قبل الأطفال ، ومن بين الحطام الذي تخلفه قذائف الموت ينبت الأبطال ، ويحملون راية الحرية بكل فخر وإباء ، وعلى الشرفات التي تزينها النساء بالورود تطل أرواح الشهداء لترقب مسيرة الأحرار الذين تعاهدوا أن يكملوا السير حتى تشرق شمس الحرية دون غيوم .
من أراد درساً عن النضال فليتناول قهوته في شارع جمال وليستمع من عامل المقهى حكاية ناصر ، او محمد ، او شوقي ، وإذا أراد ان يراهم رأي العين فليمر على جبل الهان ، اوليعرج على الكمب أوالمكلكل .
وكالرجال لن تتوقف نساء تعز عن العطاء والبناء والتضحية ، فهنَّ من انجبن الأحرار ، وهنَّ اللائي خلطن الحليب بالإباء ، ومزجن الماء بالإقدام ، وانضجن الخبز بحرارة الحب المخلص للوطن ، وعلمنَ الأطفال أن الوطن أمانة ، والأرض التي نشرب عذب مائها لا ينبغي ان يدنسها الأوغاد ، ولأجل الكرامة تهون التضحية .
في شوارع المدينة لم يتوقف الأطفال عن اللعب فقد اعتادوا ان لا تسرق فرحتهم مليشيا عابثة ، وتمرنوا كيف ينتزعون فرحتهم من عمق المحنة ، ولطالما استبدلوا لعبة (اللص والشرطي) بلعبة (الحوثي والمقاومة) ولا تنتهي لعبتهم الجديدة إلا والمقاومة هي الغالبة ، وما خاب ظنهم .
لن تتوقف الحكايات عن تعز ، لكن من يقرأ ليس كمن يرى ، ومن يشاهد ليس كمن يشارك ..
تحية لتعز فرداً فرداً ، وحجراً حجراً ..
دمتم سالمين .