نصْر صالح محمَّد
حينما نخوضُ في معرفة كيفيَّات مجيء العيد فإننا سنجده لا يأتِ إلاَّ بمقدماتٍ روحانية لها الأثر في تغيير نفسِ المـسلم وأفكاره ومشاعره،فعيدُ الفطر لا يأتِ بغتة؛ولكنه يصل بعدَ أنْ يُصبُّ موسم رمضان المبارك في كأسِ الروح،وعندما تنتشي لذة العبادة والطاعة،يُولدُ شهر شوال منْ رحم الهلال،
والنفوس المؤمنة قد تغسَّلتْ بفيوضاتِ الأعمال من جنابة غفلتها،وأدران الحياة فتصيرُ في فرحةٍ وحبورٍ دائم.
وحينما تدوِّي تباشير عيدُ الأضحى في سمعِ الأيام،يفترش أيام العشر التي اصطفاها الله على أيام الدنيا كلها!
أيامٌ تبعث الشوق من مراقد الفؤاد،وهو يحلمُ بالوصول إلى الكعبة الشريفة التي هي سُرَّة العالم،ونقطة المركز من الأرض،وصلة الوصل بين الأرض والسماء.
وكأنَّ السماء قد دنتْ من الأرض ونزلت إليها،والأرضُ ارتفعت إلى السماء،والقلب في يقينٍ بلقاء ربه حينما يرى الجموع في صعيد واحد له يتضرعون،وبينما تحتضننا هذه الأحاسيس نشعر كأننا ونحن في طريقنا إلى الله في ميناء جديد وشاطئ آخر،يجعلُ نفوسنا تهفو إلى الأعياد وتعتبرها ضروره ماسة.
فماأجمل أنْ نشعر بهذه الأيام المباركة بكل عمق وبكل هباتها وهداياها وألطافها،ثم نجعل مشاعرنا وانفعالاتنا متصاعدة بالتكبير والتهليل،ونطهر أرواحنا بالاستغفار لينعكس ذلك صفاءاً وطيبةً ونظافة من الأحقاد العالقة في نفوسنا؛إذ أن العيد أكبر المناسبات العملية لتقوية العلاقات الإنسانية،وأفضل جو لنشر المحبة والتعاون والتآخي في مسرح التسامح والصفح،عند ذلك نتذوق العيد بطعمه الفريد، وجوه المميز،وينسكب إلى أفئدتنا موجة إثر موجة، حتى نغرق في جو النقاء ليغسل أرواحنا اليابسة،ويصبح سوراً يحافظ على زهور الأمل المتفتحة في صدورنا وينفخ فيها الحياة.
ْ