محمد جميح
كأي جماعة مؤدلجة دينياً سعت جماعة الحوثي إلى الحصول على حقيبتي التربية والتعليم والعدل، ونشرت مشرفيها في كل الإدارات الحكومية، خاصة الأوقاف المشرفة على مساجد الجمهورية، بالإضافة إلى سيطرتها على وزارات سيادية مهمة، في ما سمي بـ»حكومة الإنقاذ» التي شكلتها الجماعة مؤخراً مع ما تبقى من حزب حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وقبل الحصول على تلك الوزارتين كانت جماعة الحوثي قد بدأت فعلياً بالعمل بشكل متسارع للسيطرة على الخطاب الديني والبرنامج التعليمي في اليمن، من أجل خدمة الأهداف المذهبية والإيديولوجية التي تسعى الجماعة إلى تحقيقها في البلاد، والتي تتعدى تكريس مقولات المذهب الزيدي الموصوف بالاعتدال، إلى طروحات «التشيع السياسي»، في صورته الخمينية، الذي يمكن بشكل أو بآخر أن تعد حركة الحوثي إحدى تجلياته في اليمن. ولأهمية وزارة التربية والتعليم، من منظور هذه الحركة، أسندت حقيبتها إلى شقيق زعيم الجماعة الأكبر يحيى الحوثي، فيما أسندت وزارة العدل إلى شخصية حوثية معروفة بتطرفها الطائفي وتعصبها السلالي على السواء، وهو القاضي أحمد عبدالله عقبات. مهمة الوزيرين هي تغيير بنية العملية التعليمية، وإحداث تغييرات جوهرية في مرتكزات العمل القضائي والقانوني في البلاد.
وفيما يخص الوزارات الأخرى فقد أسندت وزارة الأوقاف والإرشاد إلى القاضي شرف علي القليصي، وهو ممن ينتمون سلالياً للحوثيين، وإن كان ولاؤه السياسي للرئيس السابق علي عبدالله صالح، حيث كان لفترة إمام وخطيب «جامع الصالح» في العاصمة صنعاء.
وينطلق الحوثيون في محاولاتهم إحكام السيطرة على مسارات الحياة الدينية والتربوية والثقافية اليمنية، من خلال السيطرة المباشرة على الوزارات الحساسة، كما هو الحال بالنسبة لوزارة التربية والتعليم، ووزارة العدل، وغيرهما من الوزارات التي تشكل حصتهم في حكومة الانقلاب، أو من خلال ما بات يعرف في اليمن باسم «الحكومة الموازية»، وهي المكونة من جيش من «مشرفي اللجان الثورية» التابعة لهم والمنتشرين في كل مؤسسة حكومية، والذين يشكلون السلطة الفعلية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال البلاد، حتى في الوزارات التابعة شكلياً لحزب الرئيس السابق. ومؤخراً بدأ القلق يساور العديد من الأوساط اليمنية إزاء محاولات الحوثيين الواضحة، لإحداث تغيير في مناهج التربية والتعليم، بعد أن تعالت أصوات تابعة لهم تطالب بتغيير الخطاب الديني والتربوي. ويشير خطباء الجمعة التابعون للحوثي بلا مواربة إلى أنه يجب أن يعود اليمنيون إلى «الإسلام الحقيقي على منهج أهل البيت»، بدلاً من «الإسلام الأموي الوهابي» الذي ساد اليمن بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 التي أطاحت بنظام الأئمة في البلاد، والذي يعده الحوثيون النظام الشرعي في البلاد، الذي قام ضده «انقلاب عسكري» استمر حتى اليوم.
ولأجل تصحيح «الإسلام» حسب الخطاب الحوثي، فإن الحوثيين يركزون اليوم على مخرجات العملية التعليمية، وهناك محاولات لإدخال بعض أدبياتهم في مناهج التربية، التي يجب حسب بعض المطالبين بذلك أن تشمل دروساً من «ملازم» مؤسس الحركة الحوثية، حسين الحوثي، وهو شقيق زعيمها الحالي، وهناك كذلك مطالب بأن تتضمن المناهج كذلك بعضاً من سير الأئمة قبل ثورة سبتمبر، لـ»رفع الظلم التاريخي الذي حل بالدولة المتوكلية».
أما فيما يخص الأنشطة التربوية خارج إطار المنهج الرسمي، فإن معظم المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي اليوم، خاضعة بدورها للمشرفين الحوثيين في كل حارة وحي، الذين ـ بدورهم – ينظمون زيارات تربوية تحت ذريعة «الدعوة إلى الجهاد»، ومن خلال هذه الزيارات يجري ترديد الصرخة الحوثية، المأخوذة عن سياقات ثقافية إيرانية، وتلقى المحاضرات المطولة عن حركة «الشهيد القائد» حسين الحوثي، وتسلم مطبوعات مختلفة لتوضع في مكتبات المدارس، كما هو الشأن في مكتبات الجوامع التي سيطروا عليها، وأفرغوها من الكتب الدينية التي كانت فيها، ليعبئوا هذه المكتبات بكتب تابعة للحركة الحوثية، تحتوي على خطاب ديني طائفي، وتكرس مقولات سلالية عن «الحق الإلهي»، وقداسة ذرية السبطين: الحسن والحسين.
وللعلم «شعار الولاية» الذي جعله الحوثيون اليوم مكان نشيد «السلام الوطني» في الكثير من المدارس، خاصة في محافظة صعدة، يلخص مرادات الحوثيين من محاولات السيطرة على الجهازين التربوي والديني في البلاد. وينص «شعار الولاية» الذي يردده الطلاب في طابور الصباح على الصيغة التالية:
«ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺘﻮﻻﻙ ﻭﻧﺘﻮﻟﻰ ﺭﺳﻮﻟﻚ ﻭﻧﺘﻮﻟﻰ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ
ﻭﻧﺘﻮﻟﻰ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﺗﻨﺎ ﺑﺘﻮﻟﻴﻪ ﺳﻴﺪﻱ ﻭﻣﻮﻻﻱ ﻋﺒﺪﺍﻟﻤﻠﻚ
ﺑﺪﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺒﺮﺃ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﻋﺪﻭﻙ،
ﻭﻋﺪﻭ ﺭﺳﻮﻟﻚ، ﻭﻋﺪﻭ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ، ﻭﻋﺪﻭ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﺗﻨﺎ
ﺑﺘﻮﻟﻴﻪ ﺳﻴﺪﻱ ﻭﻣﻮﻻﻱ ﻋﺒﺪﺍﻟﻤﻠﻚ ﺑﺪﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ».
هذا إذن هو الهدف الأخير لكل هذه المحاولات الحوثية في السيطرة على المدرسة والمسجد، الهدف المتمثل في محتواه السياسي الخالص، بتكريس عبدالملك الحوثي «سيداً ومولى» لليمنيين بـ»أمر إلهي»، كما ينص «شعار الولاية»، الذي يعد بمثابة مبايعة لزعيم المتمردين «لا تنفك عنها الرقاب، وينال من تخلى عنها أشد العقاب».