لم نكن بحاجة إلى ثورة نقدم للوطن فيها قرابين الدم، ثم تتآمر علينا الدول فتعبث بمقدراتنا وأمننا واستقرار بلدنا، لو كان عندنا نظاماً للحكم جاء بإرادة الشعب وفق إنتخابات حرة ونزيهة ثم أخذ فرصته كاملة في الحكم.
قبل أن نلوم الدول الأخرى التي تتدخل في شأننا المحلي وتنشر سموم مخابراتها في كل أرجاء وطننا الكبير، علينا أن نراجع أنفسنا ونحاسب قيادتنا التي سمحت بهذا العبث حينما استأثرت الحكم لنفسها ورفضت الإنصياع لخيار الشعب، حينما نصمت على حكم ظالم طوال سنين مضت، يظلم ويبغي ويطغى ويتجبر، يسجن ويقمع ويخمد كل نفس يسعى لرفعة هذا الوطن، يسعى لمواكبة التطور ومسايرة البلاد والعباد الذين كنا نسبقهم في كل شيء فسبقونا في كل شيء، ثم نأتي على حين غرة نتهم هذا بإشعال الثورة لغايات شخصية، ونتهم ذاك بدعمها لضرورات مخابراتية، ونقنع أنفسنا أننا أمام مؤامرة كونية كبيرة تستهدف الوطن وسلامة أراضيه.
لكل دولة مصالحها الخاصة، وإن كان لبعض الدول مصالح خاصة في وطني فلماذا أسمح لها بتحقيق هذه المصالح!؟، لماذا أصمت على نظام ظالم عشرات السنين وحينما تقوم ثورة ساعية لتغييره أنهض من نومي وأدعي زوراً وبهتاناً أن هذه الثورة هي لعبة مخابراتية لتلك الدولة ومؤامرة كبيرة لهذا الحلف تستهدف الوطن ومقدراته!؟.
أين هو الوطن الذي تتحدث عنه وقد سيجه الحاكم وتملكه وتحكم في ثرواته ومقدراته!؟، أين هو الوطن الذي تدعي خوفك عليه وقد داهنت النظام الظالم على جوره وبغيه عمراً من الزمن حتى تنأى بنفسك عن أي ملاحقة أو اعتقال!؟.
أين هو هذا الوطن الذي يمتلك المقدرات البشرية والمادية والزراعية والصناعية والجغرافية والتاريخية وما زال يرزح في قاع الأمم وقد سبقته دول وإمارات لم تكن مذكورة على خارطة العالم قبل عشرات السنين!؟.
هل أمن وطنك الذي تخاف عليه اليوم وتخشى فقدانه مرتبط بالخطر الذي يتهدد نظام الحكم أمام ثورة الشعب!؟، هل كان شعبك آمن في وطنه مطمئن في مجتمعه في ظل هذا الحكم الجبري!؟.
ثم سائل نفسك وأجبها بصراحة لماذا لم تقم ثورة في اليابان!؟، في فنلندا!؟، في ماليزيا!؟، في تركيا!؟، في أسبانيا!؟، في كوريا الجنوبية!؟؟.
وأخبرها أن هذه الدول تحترم مواطنها، هو يقرر، هو يختار من يحكمه، من يحكم لا يدوم، فترة رئاسية مؤقتة وبعدها فاتورة حساب من الشعب، أين إنجازاتك!؟، أين ما وعدتنا به في حملتك الإنتخابية!؟، ثم تجرى محاكمة عادلة لهذا النظام عبر صناديق الإقتراع يقرر فيها الشعب أيحاسبه على عجزه فينتخب غيره، أم يكافئه على إنجازاته فيجدد له الثقة!؟.
أين أنت من هذا النعيم الذي يحياه المواطن كريماً عزيزاً في هذه الدول!؟، متى تغير نظام الحكم في بلدك عبر صناديق الإقتراع بعيداً عن موت الرئيس أو اغتياله أو عبر انقلاب عسكري !؟.
اليابان لا تحتاج إلى ثورة، كوريا الجنوبية لا تحتاج إلى ثورة، الهند لا تحتاج إلى ثورة، فنلندا والنمسا والسويد والبرتغال لا يحتاجون إلى ثورات، أنت من تحتاج إلى ثورة لتغيير مفاهيم ومعتقدات وتهيؤات ووسوسات جعلت منك جهازاً أحمقاً يتحكم به هذا الحاكم وذاك، أنت من تحتاج إلى الثورة لتفرض فيها رأي الشعب وخيار الشعب، وترسخ عبرها مفاهيم الديمقراطية والتعددية والثواب والعقاب، لا يحكمك الجيش فالجيش في الدول التي تحترم نفسها خادم لأصغر مواطن فيها، لا تحكمك الأحزاب مدى الحياة فالأحزاب في الدول التي تحترم نفسها تقدم عروضاً للحكم كما الشركات أنت من تقرر أتشتري أم تمتنع!؟، لا يوجد في وطنك نبي ولا رسول ولا ملك كريم، كلهم بشر، من أصاب تشكره ومن أخطأ تعزله، في الدول التي تحترم نفسها لا حصانة لحاكم أو مسئول أو زعيم مهما علا شأنه وذاع صيته، كلهم تحت القانون، القانون الذي وضعه الشعب عبر نخبته التي اختارها بنفسه ليلتزم به الجميع!.
الثورة طارئة ومحاولات البعض لاستغلالها واقع سياسي قائم على المصالح التي تخص هذه الدول، لا مشكلة في الثورة ولا لوم على الثوار إن فشلت، هي محاولة لترميم صرح الوطن الذي اهترأ بفعل الظلم والجور عمراً من الزمن، المشكلة فيك أنت، حين صمت وتواريت وارتضيت بأدنى متطلبات الحياة خوفاً من هذا النظام وبطشه، حين اشتراك النظام بثمن بخس فصرت مدافعاً عنه، المشكلة في قولك نفسي نفسي، وغيرك قد حفرت لهم الأخاديد لأنهم طالبوا بحريتك وكرامتك، إن فشلت الثورة فأنت أهم أسباب فشلها، فلا يعقل لشعب أن يرزح تحت الحكم الجبري والتخلف والرجعية عمراً من الزمن ثم يُختلف على ثورته، فتجد نصف الشعب لا يريدها ونصف النصف الذي ثار أصابه اليأس من حال النصف الذي لا يريد فجبن وتراجع!؟.
وجدي السعدي