محمد جميح
تقاطر خلال اليومين الماضيين عدد من القادة ورؤساء الوفود العربية إلى العاصمة الأردنية عمان، للمشاركة في اجتماع القمة العربية في البحر الميت.
ذهب معظم القادة بتحديات وطنية وقومية، ولا «يخلو رأس من همّ»، كما يقال.
الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي حمل معه إلى قمة عمان تحدي الانقلاب وتدخلات إيران، حضر العراق بجراحه النازفة، ومخالب إيران فيه، وليبيا وملفات الحرب والتوافقات، وسوريا التي تعد كارثة العرب الكبرى، لم تغب رغم شغور كرسيها في قاعة التئام القمة.
طبعاً كرسي سوريا شاغر في القمة، لم يتمكن النظام من ملئه، لأنه أصبح أقل من مستوى سوريا، ولم تُدع إليه المعارضة، لأنها ليست كبيرة لتملأ كرسيا بحجم تاريخ البلاد، لا ننسى أن إيران حضرت مع سوريا كذلك. حضور إيران في كل ما ذكر من قضايا، سببه أن لها ضلوعا كثيرة في القضايا الحاضرة على جدول أعمال القمة، بعد أن مكنتها رخاوة النظام الرسمي العربي من العبث بأمن العرب القومي.
بالطبع حضرت «القضية المركزية» للعرب، وكان محمود عباس على رأس الضيوف، غير أن جديداً لم يستجد على مستوى أكبر القضايا العربية سناً، لم يستجد جديد على مستوى القضية الفلسطينية، رغم أن القمة أريد لها أن تكون بالقرب من فلسطين هذه المرة.
المهم، كمٌ من التحديات طرح أمام المشاركين، كل واحد منها يتطلب قمماً متوالية على مستوى القادة، تحديات بعضها يتكرر منذ عشرات السنين، وبعضها منذ عقد من الزمان، وأخرى منذ سنوات.
مشكلة المشاكل لدى العرب أن مشاكلهم تتراكم، وأن الحل الأنسب لأي أزمة عربية يتمثل في اندلاع أزمة أخرى لتغطي على الأزمة السابقة. ومشكلة القمم العربية المزمنة أن المشاكل تحضر، بينما تغيب الحلول، وسبب غياب الحلول يكمن في ترحيلها إلى قمم لاحقة وأوقات مناسبة لا تأتي، مع الإشارة إلى أن غياب إرادة الحل هي أم المشاكل.
يخيل لي أحياناً ان القمة العربية، هي قمة تل رملي ضخم يتسابق إلى رأسه العرب ليدسوا رؤوسهم فيه بعيداً عن الأخطار المحدقة التي تسللت إلى داخل حدود أوطانهم، واقتحمت عليهم قاعات الاجتماعات.
عندما تفكر الكثير من الدول العربية في الحلول، فإنها تفضل الطرق الثنائية في التعاطي مع القضايا، عوضاً عن العمل الجمعي في إطار الجامعة التي ترهلت وشاخت، وأصبحت اجتماعاتها مراسيمية لا أكثر. بعض الدول العربية بدأت التنسيق مع جوارها غير العربي للتصدي للمشاكل والمعضلات التي تعترض طريقها، وبعضها انكفأ داخل حدوده قلقاً من إقحام نفسه في تحديات أشقائه. والمجتمع الدولي يتدخل في القضايا العربية لغياب الدور العربي، وبطريقة تعقد الحلول، وتعمق التحديات.
بالطبع لا توجد نية حقيقية لتفعيل عمل الجامعة العربي، نظراً للخلافات العربية البينية، وتضارب المصالح، وتدخلات إقليمية ودولية لا تريد للجامعة أن تجسد العمل العربي المشترك.
حضر ضيوف الشرف، وظهروا في زي الوعاظ الذين يرسلون إشارات للعرب بضرورة بذل الجهد. على رأس ضيوف الشرف كان أمين عام الأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش الذي تطرق لظاهرة الإرهاب، وقال إن المسلمين هم ضحية الإرهاب الأولى. هذا صحيح، لكن من يقنع الدول الأعضاء في مجلس الأمن بذلك.
تعرض لظاهرة الهجرة واللجوء، وذكر الآية من سورة التوبة «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه…»، وهذه إشارة إلى حماية الإسلام للاجئين، حسب قول الأمين العام. بدا غوتيريش متفائلاً، وهو يذكر العرب بكلمة الأمل في لغتهم، التي انتقلت إلى البرتغالية، وهي لغته الأصلية، وهي كلمة «إن شاء الله»، التي تنطق في البرتغالية بلفظ «أو شالا»، حسب غوتيريش.
واليوم تختتم القمة أعمالها، وسيكون أهم نجاحاتها أنها جمعت أكبر عدد من القادة في قاعتها، وهذا هو الهم الأول للدولة المضيفة. لماذا؟ لأن أي دولة مضيفة لا تريد أن ينسب الفشل في الاجتماع أو تدني مستوى التمثيل لقمتها. وعندما يصبح جمع الأطراف في حد ذاته مكسباً، فإن ذلك بلا شك يكون المكسب الأبرز إذا لم يكن الوحيد، مما يعني تحول القمة إلى لقاء مناسباتي سنوي إعلامي الهدف منه التقاط الصور، أو على أكثر الاحتمالات إرسال الرسائل.
بالطبع لا أحد يعول على آليات القمة في شكلها الحالي للخروج بقرارات مفصلية، ولو اتخذت مثل تلك القرارات، فلا أحد يتصور أن تغادر أدراج الأمانة العامة للجامعة العربية.
هل يعني ذلك اليأس من الجامعة العربية؟
لا، ولكنه يعني الأمل في إجراء تعديلات جوهرية على لوائحها، وطبيعة عملها، وفوق ذلك كله، وقبله أن يعي العرب أن الجامعة هي بيتهم، وان البيت في حاجة إلى ترميم وتهوية وإصلاحات ليعود قادراً على لمِّ شملهم واستيعاب أشواقهم القومية.
قولوا مع مع غوتيريس «أوشالا».
* نقلاً عن القدس العربي