.
????? كتب - د. عارف الحوشبي:
كثير من الناس إن لم يكن جميعهم يدعون الوطنية وحب الوطن ويبدون استعدادهم المطلق للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على استقلال تربته وأمنه وحريته واستقراره، ولكن بالمقابل هناك سؤال يطرح نفسه: هل كل من يدعي الوطنية وطني فعلاً وصادقٌ في ادعائه؟
تساؤل يستحق أن نضع تحته أكثر من خط لأهميته وذلك من خلال إدراكنا الملوس لواقعنا المعاش وتجاربنا المشاهدة على أرض الواقع مع الكثيرين من أدعياء الوطنية الذين لا يتطابق لديهم واقع الحال وفساد الأفعال مع حسن المقال، وهذا الكلام ليس تجنياً على هذا الطرف أو ذلك المكون، بل إن طرحنا هذا لا يستثني طرفاً بعينه، فليس الجميع خيراً محضاً ولا شراً مطلقاً، ولكننا حينما نكتب هذه الكلمات نكتبها من واقعنا الذي عرفنا فيه عددا من النخب خصوصا السياسية منهم و الذين جعلوا الوطنية علامة وماركة مسجلة لطرف بعينه دون غيرهم، ووصلت هذه النخب إلى مستوى زايدت فيه كثيرا على البسطاء من أبناء هذا الشعب باسم الوطن والوطنية، وأن عليهم تقديم الأرواح قرباناً في محراب الوطنية دون ثمن، وشددوا على ضرورة غسل أدران الفساد ولو بالدماء الطاهرة وسد فتحاته ولو بجماجم الرجال حتى يتمكن هذا الجيل والأجيال القادمة من العيش بكرامة وحرية غير منقوصة بل إن هذه النخب تفننوا كثيرا في إلقاء الشعارات التي هيجت الجماهير ورفعت سقف التوقعات إلى مستويات يصعب الوصول إليها بحسب ما ينطق به الواقع، ولم يكتفوا بذلك ولكن خيل إليهم أن صكوك الوطنية أصبحت أسهما رابحة بأيديهم يمنحونها لمن وافقهم وسار في فلكهم، ويمنعوها عن كل من خالفهم الرأي والمبدأ، وهذا خطأ كبير يقع فيه الكثيرين خصوصاً من الداخلين حديثاً الى سوق السياسية وبورصة القيادة الموجهة.
إن الوطنية مبدأ ثابتٌ وأصيل قد نجدها عند سياسي كبير مخضرم أو مواطن أميٍ بسيط فقير، وربما يكون هناك راع بسيط لشويهاته في شعب من شعاب وطننا الكبير تسري الوطنية في جسده سريان الدم في العروق لديه استعداد كامل أن يضحي بأغلى ما يملك من أن يخون وطنه أو أن يتنازل عن سيادته أو يبيع ذرة واحدة من ترابه الذي يراه أغلى من كنوز الدنيا، وإنه لمن المؤسف أن يخيل للبعض أنه هو الوطن وهو معيار الوطنية فإن أيدته وسرت في فلكه كما تسير كواكب المجموعة الشمسية حول الشمس فأنت وطني غيور أما إذا خالفته الرأي فأنت خائن يجب أن لا يسمع لك، والغريب أن بعض الناس اتخذوا من الوطنية جلباباً يرتدونه ليمارسوا تحته أسوأ الأعمال ظانين أن هذا الجلباب سيخفي سوءاتهم وبمجرد أن ينكشف فسادهم وقبح أفعالهم ويتحدث عنها الآخرون نراهم هم وأتباعهم يرفعون أصواتهم عاليا أن من ينتقدهم إنما ينتقد الوطن بل ويخونون كل من لا يوافقهم الرأي.
وخلاصة القول نقول إن الوطنية ليست جلبابا يلبسه البعض ليخفي سوءاته، بل الوطنية مبدأ أصيل لا يرتبط بعلم أو سياسة أو مكون أو طرف بعينه، ولن يستطيع أحد مهما كانت قوته أن ينزع الوطنية من قلب وضمير صاحبها وبالمقابل لن يستطيع أن يمنحها لمن تخلى عنها وباعها مقابل دنانير ودراهم معدودة و"تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس وانتكس، وإن شيك فلا انتقش"!!