" بائع الطماطم ".. ثائرُ بطل ، في زمن الخيانة !!!

2018/02/08 الساعة 11:03 مساءً

في يوم فريد من أيام ثورة الحادي عشر من فبراير الخالدة ، هاجمت قوات الحرس " العائلي " بأوامر من مدير " أمن " تعز يومها المجرم عبدالله قيران ، بالأطقم والمدرعات شباب الثورة السلميين حتى وصلت مطاردتها لهم صوب قلب مدينة تعز ، وكان صباح ذلك اليوم إستثنائيآ بكل المقاييس بالنظر لبشاعة ما اقترفته قوات الحرس العائلي من حقد دفين وتنكيل ممنهج بحق شباب الثورة ، العزل من كل شيء إلا من عدالة قضيتهم الوطنية الكبرى، مما اضطر الكثير من الثوار حينها للتواري قسريآ في الأزقة والحارات المجاورة طلبآ للنجاة من البطش اللا متناهي والوحشي، سوى عدد بسيط منهم بقيادة الثائر محمد حسن الزبيدي " زبود " ، حيث ظلوا يقارعون " الجنود " وآلياتهم المجنزرة رشقآ بالحجارة حينآ ، والإختفاء في الأزقة بعد ذلك لالتقاط الانفاس أحيانآ أخرى ، في إصرار فريد وعزيمة لا تلين بغية إجبار الآليات العسكرية بمن عليها من " جنود " ، على مغادرة وسط المدينة الثائرة مهما كلف ذلك أولئك الفتية من ثوار تعز الأوفياء الشجعان من تضحيات ..

في ذلك اليوم حدث أن جُرِحَ ثلاثة من الشباب بالرصاص الحي خلال دقائق معدودات فقط ..
إقتربتُ ساعتها من الثائر محمد حسن الزبيدي وطلبت منه متوسلآ ، التوقف عن مواصلة رشق الأحجار أمام صلف وعجرفة قوات الطاغية وحقدهم ، وإصرارهم على تحقيق نصر معنوي على الثوار من خلال بقائهم في وسط المدينة غير آبهين بفداحة ما تقترفه أياديهم العابثة من جرائم ..

فتبسم محمد رافضآ المقترح وقال لي : 
" يا نحن يا هم في تعز ، وشارع جمال محرم عليهم إلا أن نموت ولا نراهم يدنسونه " !

إستمرت المواجهات وأصابني مع مرور الوقت الإعياء والتعب وأنا اتابع سيرها وحسب ، وما استكان محمد الزبيدي ورفاقه الأبطال أو وهنوا وهم يصولون ويجولون فيتصدون ويقاومون بصدورهم العارية آلة الحقد الحربية وغرورها الأرعن ..

إنكسرت جحافل " الجُند " مع مرور الوقت واستبسال محمد حسن وأقرانه ، وبدأت القوات تقهقرها تباعآ وأستمر ثوارنا الميامين أيضآ برشق آلياتهم بالحجارة وملاحقتهم لها دون كلل أو شعور بيأس ، فتنحيتُ جانبآ لأنتظر عودتهم وهم يطاردون الجنود بمدرعاتهم ، ظنآ مني أنهم ربما يعودون إلى جوار كشك بيع الصحف بشارع جمال حيث كنا بمجرد أن يتم دحر العسكر بإتجاه جولة العواضي ، لكنهم لم يعودوا بعد مرور أكثر من نصف ساعة تقريبآ ..

ذهبتُ على إثر ذلك لأستطلع الوضع باتجاه جولة العواضي ، فلم أجد لا محمد الزبيدي ومجموعته من الثوار ولا أثر يُذكَر أيضآ لقوات الحرس وعرباته ..
وما هي إلا دقائق معدودات وإذا بمحمد حسن ورفاقه من الأبطال يعودودن رافعين شارات النصر ?والإبتسامة تعلو وجوههم دون إستثناء والبطل محمد الزبيدي يصيح بأعلى صوته مبشرآ :

" رحلناهم إلى ما بعد جولة الإخوة بعزمنا وحجارتنا فقط " .

كم من المجلدات سأحتاج يا ترى إن أردت أن أشير ولمجرد الإشارة وعلى عجالة لبعض بطولات الثائر الفبرايري العظيم محمد حسن الزبيدي ومآثره ؟؟؟

محمد الذي أُصيبَ ذات مرة ليعود في اليوم التالي والرباط يلتف حول قدمه فيقود مجاميع الشباب الثائر في حي المسبح الاسفل كرة أخرى ، غير مبالِ بجرح ولا مكترث بفداحة ما سيدفعه من أجل الوطن من تضحيات .
أخبرته يومها أنه يحتاج للراحة في المستشفى حتى تلتئم جراحه على أقل تقدير ، فقال لي أنه إبن المسيرات والعمل الثوري والساحات لا قعيد أقسام الجراحة ونزيل المستشفيات !!

محمد حسن .. روح مسيرات التصعيد الثوري ، وصاحب مغامرة مواجهته السلمية وتحديه لحاجز قوات الأمن المركزي في سوق الصميل ، تلك القصة التي يعرفها فقط الثائر محمد أحمد صبر وكذا شباب التصعيد الذين حضروا تفاصيل تلك الواقعة الملحمية البطولية النادرة !!!
محمد الزبيدي دينامو نظام مسيرة الحياة الراجلة الخالدة عبر الزمن .. 
محمد حسن ألق تعز الثائرة ونبضها الفواح بعبق الحرية والكرامة والشموخ ..

محمد حسن " زبود " الذي وجدته بعد كل ذلك التاريخ الحافل بالمجد والبذل الأسطوري ، يفترش سوق بير باشا بتعز بائعآ متجولآ للطماطم ، ساعة أن تقطعت به السبل كثائر لا متسلق على دماء الثورة وتضحياتها ، بعد أن أصبح أعداء الثورة وبلاطجتها وخونتها على السواء ثوارآ بالوراثة الزائفة ويتقلدون تبعآ لذلك أرفع المناصب ، بينما أبطالها الميامين الشجعان في زمن " الخردوات " باعة للخضروات على أرصفة وأزقة مدينتهم المقدسة .

خير من انجبت تعز وجبل حبشي محمد حسن الزبيدي ، أحد أعظم ثوار تعز وأبنائها الأبرار ، وأحد أبرز شباب نواة ثورة 11 فبراير وشرارتها ، يغادر هذه الدنيا قبل أيام فقط من حلول ذكرى ثورتنا السابعة ، شهيدآ في ميادين العزة والشرف في جبهة مأرب التاريخ والمجد الذي يصدق أهله ، مدافعآ عن مشروع ثورته وجمهوريته وغده المنظور ودولته المدنية المنشودة ، التي لطالما عاشها حُلمآ وهُتافآ ثوريآ صداحآ وحقيقة واقعة رغم مرارة المخاض وتقلباته وعثرات المسير !!

رحمة الله عليك يا محمد الزبيدي ، يا رفيق دربنا الغالي وثائر بألف ثائر ، ورجل بألف ألف ألف من دونه من الرجال ، وإلى جنات الخلد يا ثائر ومقاوم تعز المتفرد صفات ومناقب وروح وبأس وإقدام وتضحية .

وداعآ شهيدنا البار محمد حسن الزبيدي " زبود " فلأمثالك من الثوار يكون الوداع مستحقا .