#فتحي_بن_لزرق
في شوارع القاهرة اسير منذ أيام باحثا عن شكل اليمن وهويته واناسه لكنني لا اجده ، سألت نفسي كثيرا كثيرا عن وجه بلادي الذي افتقده ..
بين كل شارع واخر من شوارع القاهرة اصادف يمني اجد فيه ملامح بلادي التي احبها ، بلادي التي اضاعوها ، بلادي التي تسكن بداخلي واسكن في كل شبر منها ..
بين كل شارع واخر اجد ملامح يمنية متعبة ضائعة ومنهكة .. اجمع الملامح لعلني استعيد ماضاع من اليمن لكنني في كل مرة اخفق في ذلك..
بعد 3 سنوات من الحرب لم يشتاق اليمنيون قط لشيء مثلما اشتاقوا لبلادهم ، وطنهم الكبير ومدنهم الصغيرة وذكرياتهم العتيقة ..
اشتاق اليمنيون جمعا لصنعاء ، تلك الفاتنة التي جمعت اليمنيين لعقود ولم تطردهم الا أخيرا ولم يغادرها احد قط ..
صنعاء التي فر اليها الجنوبي وتحول الى احد أبنائها ، صنعاء التي ارتدى فيها التعزي قميص أبنائها وتحدث بلهجتهم ، صنعاء التي حمل التهامي اسفاره اليها اول مرة صنعاء التي حط فيها الحضرمي بتجارته وانطلق تاجرا متاجرا ..
اشتاق اليمنيون لشارع التحرير، لجموع الجنوبيين الذين تزاحموا لسنين طويلة في جنباته .. شاهي ملبن للعم "مدهش" وقرص خبز طاوة حامي واحاديث العسكريين لبعضهم مقاهي العدانية وحضورهم اللطيف ولمستهم المدنية التي اضفت جمالا نادرا لصنعاء..
اشتاق الناس لفرزة باب اليمن في الطريق الى "عدن" وزخات المطر بسمارة في الطريق الى "عدن" ومواقف الباصات بيريم وحلاوة القباطي بالعشش وغيرها ..
اشتاق الناس لزمن الدولة العسكري الذي يقف في النقاط وسيارة "السنتافي" الخاصة بشرطة النجدة ومحطات الوقود الزاخرة بالوقود بكل منطقة وطريق..
اشتاق اليمنيون الى بحر "الحديدة" وحرها الجميل ومينائها الزاخر بكل شيء، وشعبانية اهل الحديدة وذكرياتهم الجميلة ..
شارع صنعاء الطويل الطويل الملي بكل شيء وصوت الدراجات النارية وحركتها الدؤوبة بكل شارع في الحديدة وكيلو 16 ..
اشتاق اليمنيون الى الجلوس مطولا على شرفات قلعة "القاهرة" عصرا ومع حلول المساء والنظرات الحانية على تعز المدينة ، فعاليات قاعة السعيد وسوق باب موسى والمركزي ونقطة الامن الوحيدة على مداخل تعز ، اشتاق الناس للحوبان الزاخرة بالمسافرين ذهابا وإيابا صوب صنعاء وعدن وكل مكان..
اشتاقت فتيات اليمن لكافيهات صنعاء ومراكزها العلمية واسواقها الفسيحة والبنت الصنعانية الفاتنة وهي تفحط بسيارتها مع حلول المساء بميدان السبعين.
اشتاق "اليمنيون" لعلي عبدالله صالح لسبه ولعنه وشتمه وتحميله كل إخفاقات حياتهم ..
اشتاق "اليمنيون" اليوم لبحر عدن وطيبة أهلها وترحابهم بالضيوف جولد مور وبحره وساحله عدن وفنادقها وانوارها التي لم تنطفى ، اشتاق اهل عدن للأمن والأمان والكهرباء .
اشتاقت اليمن لجموع السياح وهم ينطلقون قوافل من عدن صوب "شبام حضرموت" والمكلا والمهرة لايخافون الا الذيب وظلام الليل .
اشتاق "اليمنيون" رحلات المساء بين المحافظات وتحديدا بشهر رمضان وصيحات "سائق" البيجوت ان السحور سيكون بمنطقة فلان الفلاني ..
اشتاق اليمنيون الى منظر الطائرات وهي تحط بمطار صنعاء وتغادره صوب عدن والمكلا وخارج البلاد ..
اشتاق اليمنيون الى كل شيء .. افتقد اليمنيون كل شيء وضاع كل شيء ..
اشتاق اليمنيون للطرقات التي ساروها طويلا طويلا لم تسألهم قط نقطة تفتيش عن هوياتهم وزمن لم يصعد فيه مسلح ليبحث بداخل هواتفهم النقالة عما يدينهم ..
اشتاق اليمنيون لزمن الاعياد واستلام المرتبات واحاديث الاسر اين سنقضي هذا العيد في عدن ام في صنعاء ام في البلاد؟
اشتاقت البلاد والريف لزوار المدن وسخائهم وهداياههم .
اشتاق اليمنيون الى زمن كانوا فيه "يمنيين وكفى"..
اشتاق اليمنيون الى زمن كان فيه للمغترب قيمته واحترامه وللوطن حضوره ومهابته ..
اشتاق اليمنيون الى كل شيء فهل سيعود كل شيء مثلما كان ..
لسان حالهم في كل بلدة ومدينة ومنفى واحد ويقول:"
***
قد عشت أسأل أين وجه بلادي؟؟
أين النخيل ؟ وأين دفء الوادي؟
لاشيء يبدو في السماء أمامنا
غير الظلام وصورة الجلاد
هو لا يغيب عن العيون كأنه
قدر كيوم البعث والميلاد
قد عشت أصرخ بينكم وأنادي
أبني قصورا من تلال رمادي
أهفو لأرض لا تساوم فرحتي
لا تستبيح كرامتي وعنادي
أشتاق أطفال كحبات الندى
يتراقصون مع الصباح النادي
أهفو لأيام توارى سحرها
صخب الجياد وفرحة الأعياد
أشتقت يوما أن تعود بلادي
غابت وغبنا و انتهت ببعاد
في كل نجم ضل .. حلم ضائع
وسحابة لبست ثياب حداد
وعلى المدى أسراب طير راحل
نسي الغناء ....فصار سرب جراد
هذه بلاد تاجرت في أرضها
وتفرقت شيعا بكل مزاد
لم يبقى من صخب الجياد سوى.... الأسى
تاريخ هذه الأرض بعض جياد
في كل ركن من ربوع بلادي
تبدو أمامي صورة الجلاد
لمحوه من زمن يضاجع أرضها
حملت سفاحا فاستباح الوادي
لم يبق غير صراخ أمس راحل
ومقابر سأمت من الأجداد
وعصابة سرقت نزيف عيوننا
بالقهر... والتدليس... والأحقاد
ماعاد فيها ضوء نجم شارد
ماعاد فيها صوت طير شادي
تمضي بنا الأحزان ساخرة بنا
وتزورنا دوما بلا ميعاد
شيء تكسر في عيوني بعدما
ضاق الزمان بثورتي و عنادي
أحببتها ......حتى الثمالة بينما
باعت صباها الغض ..... للأوغاد
لم يبق فيها غير ...... صبح كاذب
و صراخ أرض في لظى استعباد
لا تسألوني عن .... دموع بلادي
عن حزنها في لحظة استشهاد
في كل شبر من ثراها ..... صرخة
كانت تهرول خلفنا و تنادي
الأفق يصغر .... والسماء كئيبة
خلف الغيوم .... أرى جبال سواد
تتلاطم الأمواج فوق رؤوسنا
والريح تلقي للصخور عتاد
نامت على الأفق البعيد ملامح
وتجمدت بين الصقيع أيادي
ورفعت كفي قد يراني عابر
فرأيت أمي........ في ثياب حداد
أجسادنا كانت تعانق بعضها
كوداع أحباب بلا ميعاد
البحر لم يرحم براءة عمرنا
تتزاحم الأجساد في الأجساد
حتى الشهادة راوغتني لحظة
وأستيقظت فجراً أضاء فؤادي
هذا قميصي فيه .... وجه بنيتي
ودعاء أمي .... كيس ملح زادي
ردوا إلى أمي القميص.... فقد رات مالا أرى
من غربتي ... ومرادي
وطن بخيل .... باعني في غفلة
حين اشترته عصابة الإفساد
شاهدت من خلف الحدود .... مواكبا
للجوع تصرخ في حمى الأسياد
كانت حشود الموت تمرح حولنا
والعمر يبكي ..... والحنين ينادي
ما بين عمرٍ ...... فر مني هاربا
وحكاية يزهو بها أولادي
عن عاشق هجر البلاد وأهلها
ومضى وراء المال والأمجاد
كل الحكاية ...... أنها ضاقت بنا
وأستسلمت للص والقواد
في لحظة...... سكن الوجود
تناثرت حولي مرايا الموت والميلاد
قد كان آخر ما لمحت على المدى
و النبض يخبو صورة الجلاد
قد كان يضحك والعصابة حوله
وعلى امتداد النهر يبكي الوادي
وصرخت..... والكلمات تهرب من فمي
هذي بلادُ............ لم تعد كبلادي !!!