مجتمع الحرم ..

2018/06/15 الساعة 08:51 صباحاً

 

لا يبلغ الحمد منتهاه لله ابدا مهما كثر على نعمة الرحلة الى بيته الحرام لأداء نسك العمره في شهر رمضان المبارك  تقبل الله منا و منكم صالح الاعمال ..

مجتمع الحرم هو الترجمة الواقعية لكل القيم المثلى التي لطالما تفطر قلبي كمداً و انا اتمنى رؤيتها واقعاً  ، فالحمد لله دائماً و ابداً ان اتيحت لي فرصة عيشها في هذه الايام المباركات انقل لكم بعض تلك الصور العظيمة لمجتمع الحرم ..

?-  العادات و الثقافات تعارف لا تخالف :
في الحرم يجتمع الناس من كل بقاع الارض و من كل الاعراق و من كل الامصار لكل واحد منهم اسلوب حياة مختلف في اللباس و الطعام و اللغة و كل واحد متفرد في كل ماهو فيه سعيدا بمن حولة و المودة و التعارف هما سيدآ الموقف عند الجميع و لا ترى الا حديث الود حتى بين اثنين لكل واحد منهما لغة مختلفة فيتحدثون الى بعضهم ثم يضحكون و كل من حولهم يضحك لهذا الحوار الغريب اللطيف ..

?- الله في قلوب الجميع  :
حين تنظر من حولك لو اطلقت لنفسي العنان للحكم على الناس بناءاً على فهمي القاصر للدين رغم اني اصف نفسي من أهل الوسطية و التنوير الا انه و للأسف لكان  حكمي على الكثير قاسياً جداً ، و اقسم ان كثير من دعاة التشدد لكان يقينا منهم ان الله بريء من هؤلاء ( مجتمع الحرم ) تعالى الله الرحيم بعبادة عن قولهم علواً كبيرآ رغم كل ما تراه مختلف عما تربيت عليه من مفاهيم التدين  ،  الا أن تلك العيون التي تفيظ دمعا حباً لله و اجتهاد و حرص الكل اظهار صور البر بالوالدين ، و تلك الام المنكبه على راس طفلها تقبله و تدعو الله له ،و ذاك الشاب الذي تفيض عيناه دمعا لأنه لم يجد مكانا للصلاة يرى الكعبه منه ، و ذلك الزوج الذي اخذ بكف زوجته و يدعو الله و قد وضع كف زوجته على كفه .. 
رغم كل الاختلاف الا ان الواحد منا عليه ان يحذر أن يكون ممن وصفهم الله في قوله:

( قل هل ننبئكم بالاخسرين اعملا ؛ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا )

 اهم قاعدة دينية من مجتمع الحرم ان الله رب الجميع و لا يحق لجماعة او طائفة أن تتدعي انها صاحبة الحق الالهي الحصري ...

?-الانسان يصنع المعجزات : 
قداسة الارض حين التقت  بعظمة الارادة عند الانسان صنعت صرحا تعبدياً عظيماً جدا يسلب الروح من جماله و يُخلد في القلب اعظم صورة لتلك الارادة البشرية التي تصنع المعجزات كنت اسير في بعض توسعات الحرم الجديدة متأملاً جمال البناء فقلت لصاحبي لو كانت الجنة هكذا لكفت سبحان الله لا اظن اني استطيع ان اصف ما رئيت في كلمات مهما اجتهد كتب الله لنا ولكم زيارة لبيت الله كلما اشتاقت قلوبنا لرؤياه ..

?- الحب دين : للاسف استطاع اعداء الانسانية ربط قيمة الحب بتلك التصورات المريضة من العلاقات الفاسدة و الأسر المفككة و سوء الاخلاق  الا ان مجتمع الحرم عكس ذلك تماماً .. وجدت زوجاً و زوجته ويبدو انهما متزوجا حديثا و كانآ من الصين  يطوفان حول الكعبة و كنت اطوف مع الطائفين رئيتهما و قد تسمرا واقفين امام الكعبة و كانت الزوجة تحفظ اسماء الله حسنة بالعربية و تلقن زوجها كيفية اللفظ و كانت اعينهما تفيظ دمعا ، و رئيت زوجاً يتشارك مع زوجته في افطار صائمين  الحرام و نظرات الحب و التقدير بينهما وابتسامة ينير لها المكان ، و رئيت اما منكبة للدعاء على ولدها و زوجها قد وضع يده على راسها و يرفع الاخرى للدعاء لهما بها في ارقى صور الحب  ما اجملهُ من حب في مجتمع الحرم ..

?-جميل الوفاء : 
السعي بين الصفا و المروة متعب خاصتاً اذا كنت في نسك العمره و في قمة التعب تجد بنت تدفع امها الكبيرة في السن على كرسي متحرك و هي تبكي ، و ترى شيخا كبيراً يهتم بشيخ اكبر سننا منه و حين سألت قالو لي ان هذا العجوز ابن ذاك العجوز الا ان حديث الوفاء و محاولة اطعام كل واحد منهم الاخر تذرف الدمع من عينيك دونما شعور ، و تلك الام التي ابتلاها الله بابن معاق تطوف به في بيت الله و الدمع من عينيها يفيض و هي تلهث بالدعاء شفا الله جميع  مرضى المسلمين اجمعين .. آمين

?-قوة التنظيم : ان يحضر يوميا للصلاة عشرات الألاف من ثقافات و لغات و بلدان مختلفة  مسؤلية كبيرة و تنظيمها و إدارتها ليس بالأمر السهل ،  و لك ان تتخيل هذا المشهد عشرات الألاف في لحظة الافطار و الزمن أقل من خمس دقائق فإذا بمجموعات خاصة تقوم بتجهيز مواد الافطار العامرة و لا ينتهي الصائم من فطورة و في اقل من دقيقة يعود مجتمع الحرم نظيفاً يليق بقداسة الارض و الانسان الذي عليه و كذلك توفير ماء الشرب و فرق الاسعاف و خدمات الارشادية و صرامة الامن كلها عوامل قوة تنطوي تحت قوة التنظيم البشري الذي حمل أمانة مجتمع الحرم كما يليق به ..

ما اريد أن اقوله أن شكل الدين و حياة المتدينين في مجتمع الحرم بالغة الرقي و نظرة مجتمع الحرم لبعضة نظرة حب و احترام و تعاون و الكثير الكثير من الحرية الثقافية و قبول التنوع و سرعة تكوين روابط الصداقات تبلغ حد البكا في لحظة الوداع  مع جنسيات مختلفة و لربما اذا ما كنا في مكان اخرى لما سلم بعضنا على بعض بسبب الكم الهائل من الاختلاف في اسلوب الحياة و فهم الدين  الا ان لمجتمع الحرم لمسة سحرية تجعل القلب اكثر طهارة و العقل أكثر تنوير..

هناك شريحة في الحرم لست أدري لكن تشعر أن الله قد وهبهم سر السعادة في الحياة و أعطاهم من كل شيء صدق في الدين و كمالٌ في الاخلاق و جمالاً خلاق ومالٍ دفاق و صحة و عائلة محبة و حياة الجنة و هم على قيد الحياة .. و كأن السماء لا ترد لهم دعاء و لا رجاء .. جعلني الله و اياكم منهم .

عظيم الشكر لله الذي وفق خادم الحرمين الشريفين و ولي عهده و كل القائمين على إظهار أقدس مقدسات المسلمين بالمكانة التي تليق به .. جزاهم الله عن الاسلام و المسلمين كل خير 

?????
محمد باهارون
??يونيو????