سيقول المؤرخون كلمتهم حول مفاوضات جنيف والكويت مع الانقلابيين الحوثيين وحليفهم آنذاك الرئيس السابق صالح من حيث التوقيت والمسار العسكري على الارض وما إذا كان ذلك قراراً صائباً للشرعية أم لا .
نترك ذلك الآن جانباً لبحثه في نطاق الظروف التي أحاطت باتخاذه يومذاك ، ولنكتفي بإيراد حقيقة واحدة وهي أن التفاوض من أجل السلام مع من انقلب على السلام بقوة السلاح والدم لا يمكن أن يكون ذا معنى إلا اذا تغيرت المعادلة على الارض ، وإلا فما الذي يجبره على ذلك ؟ سيكون مضحكاً أن نعتقد ولو للحظة واحدة أن من رفس مائدة السلام بقدمه أن يكون قد هذب هذه القدم "الفلتانة" بوازع سياسي أو أخلاقي .
في معادلة الحرب والسلام مثل هذه القدم يجب أن "تقص" قبل الذهاب إلى السلام .. حينها فقط يمكننا الحديث عن مباحثات بناءة للسلام .
كان تحرير عدن قد مزق شرايين تلك القدم وجعلها تنزف وتتخبط مهرولة ومتراجعة بحسابات لم تعد بضخامة صلفها القديم ، لكنها رغم ذلك لم تفقد الحيلة في الاستمرار في عنادها بدعم مشروعها الانقلابي بالمزيد من تجريد البلاد من أي فرصة للسلام بتثبيت هيمنتها على جزء كبير من البلاد كرهينة لتسوية تمرر من خلالها المشروع الطائفي الذي دمرت البلاد من أجله .
هذا هو الخيار الذي استقرت عليه هذه المجموعة في نهاية المطاف ، ولذلك لم يكن غريباً عليها أن تتخلص من حليفها صالح بتلك البشاعة حتى تبقى "نقية" خالصة في أي مفاوضات تحصل منها على حصتها في دولة مركبة طائفياً..
أي أن خروجها مدحورة من عدن كان قد أفقدها حلمها بالسيطرة على البلاد بأكملها، فأعادت بناء هذا المشروع بمستويين : أعلى وهو السيطرة على أراضي ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية ، وأدنى وهو التمسك بدولة طائفية تضمن لها حمل السلاح وإقامة علاقات حماية خارجية بمعزل عن العلاقات الخارجية للدولة .
معركة الحديدة يجب أن تفهم بأنها ليست مجرد معركة لاستعادة مدينة أو ميناء ولكنها معركة لتصفية المشروع التوسعي الايراني الطائفي كاملاً بتفويت أي محاولة لتمييع استعادة الدولة والتفكير من ثم في التفاوض على إقامة دولة طائفية من أي نوع كان .
الانقلابيون سيستخدمون ورقة الحديدة لصالح مشروعهم في السياق الذي يوفر لهم دعماً يمكنهم من المناورة بتسويقه لدى الدوائر التي تعمل على تدويل مداخل البحر الاحمر منذ حرب عام ???? بين العرب وإسرائيل ، وهذه الورقة هي حصان الرهان الذي يعمل عليه الاخطبوط الذي يخدم مطامع ايران في هذه المنطقة خاصة وقد شارف مشروعهم على الغرق بصورة نهائية في المياه اليمنية ، ولا عجب بعد ذلك أن يسعى الحوثيون ومن لف لفهم في طرح هذه الورقة على الطاولة بتعبيرات ملتوية بعد أن أوشكوا على خسارة المعركة وهو أسلوب قديم في التهافت .
في الحديدة لا خيار غير إستعادة الدولة كاملة وغير منقوصة بعيداً عن أي تسويات تجعل الدولة الوطنية هي الضحية رقم واحد.
إن المنهج السياسي الاستراتيجي لاستقرار اليمن بعلاقة قوية ومتينة مع محيطه العربي ، يجب أن يتقرر في قلب المعركة خاصة بعد كل هذه التضحيات التي لن يبررها التاريخ إلا بإقامة الدولة التي تؤمن الاستقرار والسلام والامن والازدهار لهذ الشعب الكريم ، أما التسويات التي تفتح أكثر من باب لحروب جديدة فلن ينظر إليها إلا على انها استخفاف بحاجة هذا الشعب إلى دولة تؤمن له حياة كريمة كبقية خلق الله .