مقال للنشر
منصور باوادي
عدن مدينة الجثث
لازالت طبول حرب اليمن تقرع في كل مكان، لم تهدأ أبدا، وتأخر الحسم، وكأنه مقدر لها أن تستمر لأجل غير مسمى.
وحتى تلك المناطق التي أطلقوا عليها لفظة "محررة" لم تشم رائحة التحرير، بل هي فارقت حالة حرب الطائرات والدبابات والمدافع، لتدخل حالة حرب الفساد ونزق الساسة وانعدام الأمن والخدمات وتدنيها بل وغيابها، ما جعل الحياة فيها أشبه بتلك التي تقبع تحت فوهات المدافع وقعقعة البنادق.
ولعل عدن تعتلي صدارة المدن المحررة التي لم تعرف طعم التحرير، وما إن فارقتها مليشيات الحوثي، حتى جثت على صدرها مليشيات أخرى تنتمي لنفس المدينة، وترفع شعار التحرير، تقاسموا الجغرافيا والموارد وأماكن النفوذ والمساحات وحتى السواحل، وانفجر فيها صراع دموي بنكهة مناطقية بغيضة مقيتة.
وبعد مرور ثلاثة أعوام على خروج الحوثي منها، إلا إن جروح عدن لم تندمل بعد، ولم تتماثل للشفاء، بل أصبحت مدينة تحوم على ربوعها الويلات والنكبات، وتجتاح شوارعها موجة الاغتيالات، ناهيك عن الصراع المناطقي المحموم من قبل جيرانها المحيطين بها للاستفراد بها، وهذه إشارة إلى أن الداء أكثره داخلي.
ووفقا لبيان نشر على كثير من المواقع الإلكترونية لاتحاد الأدباء والكتاب في محافظة عدن، مطلع شهر مارس، أشار إلى أن الاغتيالات طالت (1250) مواطنا وضابطا وجنديا و (22) إماما وخطيب مسجد في عدن، إضافة إلى وقوع (45) عملية تفجير و(100) عملية سطو مسلح، ولازال قطار الموت جارٍ على سكته في عدن، حيث شهد شهر يوليو أكبر عمليات الاغتيال وصلت لأكثر من (10) علميات.
هل تعكس هذه الإحصائيات وجه عدن الحقيقي؟ أم هي عملية متعمدة وممنهجة موجهة نحو عدن لتخريبها؟ خاصة وأن عدن باتت تحكم عسكريا وإداريا بأيد جنوبية بحته.
من يقف خلف هذا الانفلات الأمني المتعمد والممنهج في عدن؟
هذا السؤال معنية بالإجابة عنه إدارة أمن عدن، والتي تلتزم الصمت إلى هذه اللحظة، لانشغال مديرها -غير المؤهل- بصور "السيلفي" واستعراض دولاب بدلاته المنوّعة والمشكّلة وكأنك عارض أزياء.
إن معدل الجثث يزداد في عدن، وخاصة أئمة المساجد والدعاة، وهذه سابقة لم تحدث إلا في عهد الرفاق، وإفراغ عدن من دعاتها وأئمتها وخطبائها، عمل قذر خبيث لا يصدر إلا من نفوس مارقة مجرمة زال عنها الوازع الديني، وكأنها على تواصل وترابط بالإرث الماركسي الذي حكم الجنوب.
وعلى هذا يتطلب أن نرفع أصواتنا للشرعية وعلى رأسها الرئيس عبدربه هادي بتحرير مدينة عدن، وضمها للمناطق المحررة، ومحاسبة المقصرين وعلى رأسهم أمن عدن في ضبط الاختلالات الأمنية، وحماية المواطنين
وتبقى عدن كأنها المدينة المنكوبة التي لا تعرف الاستقرار أبدا، وساحة الصراعات التي لا تتوقف بين الجنوبين منذ فجر ما يسمى بالاستقلال، حتى صدق فيها قول الله تعالى " يخربون بيوتهم بأيديهم ...".