ببساطة : ( كان يا ماكان ) باصرة فقيد الوطن الكبير ..تجربتي معه..شهادة للتاريخ

2018/11/21 الساعة 11:46 مساءً

بعد الألم الكبير  لضياع الوطن نواجه يوماً بعد آخر آلاما مضاعفة بسبب رحيل هذه  القامة الوطنية أوتلك التي سعت صادقة طوال مشورها العملي والوظيفي إلى بنائه علميا واقتصادياه.
وفِي هذا الصدد أجد نفسي بعد أن تركت الوطن بسبب الحرب الملعونة التي دمرت- وفق مخطط مرسوم- ما كان قد تحقق لليمن من بنية تحتية متواضعة.

اليوم أودع العالم الفاضل الدكتور صالح باصرة الذي عملت معه لسنوات لإنشاء متحف وطني للعلوم بهدف نقل المعرفة وتوطين الثقافة العلمية في اليمن، فقد بذلت كل ما بوسعي منذ العام 2000 ،وبالتعاون مع منظمة اليونسكو، لإقامة متحف جيولوجي ثم تطورت الفكرة لإنشاء متحف شامل لمختلف مجالات العلوم وقد حظي المشروع بتشجيع ودعم كبير من الأخ الدكتور رشيد بارباع وزير النفط حينها الذي رصد مليون دولار ضمن موازنة المشروع وأعطى موقع تابع لشركة النفط على التل المشرف على شارع الستين وقاعة ابولو للمعارض، إلا أنها صدرت توجيهات عليا بعدم الموافقة على الموقع ، وهذا اصابني يومها بألم وإحباط شديدين ، لكني لم أستسلم واصلت المساعي وعرضت الموضوع على المرحوم الدكتور عبدالكريم الارياني الذي نصحني بأن يكون موقع المتحف في جامعة صنعاء، فطلبت من زملائي الدكتورين الصباري والقدسي طرح الموضوع على رئاسة الجامعة وكان الرد في البداية سلبي ، إلا ان ذلك تغير بعد تعين المرحو الدكتور صالح باصرة رئيس للجامعة حيث أعطى الموافقة وتم تحديد الموقع بحسب الاحتياج والمتاح وتم فعلاً تحديد الموقع.

 قدمتُ بعد ذالك مقترحا لرئيس الوزراء الاستاذ عبد القادر باجمال بتشكيل لجنة إشرافية برئاسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي وعضوية وزير النفط وأمين العاصمة ورئيس جامعة صنعا ورئيس هيئة المساحة الجيولوجية وتمت الموافقة على المقترح وشُكّلت لجنة تسيير ( تنفيذية ) برئاستي وعضوية الدكتورين الصباري والقدسي ووكيلي المالية والتخطيط.

لكن في الحقيقة ظلت  منغصات ومثبطات كثيرة أمامنا لأنه ورغم الحصول على الموقع إلا أن العمل لم يحقق النجاح المطلوب مع أنها جرت العديد من الاجتماعات التي عقدت من قبل اللجنة الإشرافية في منزل الدكتور عبد الوهاب راوح، وبعد  استلام الدكتور صالح باصرة لوزارة التعليم العالي تحرك المشروع بخطوات متسارعة وعملية ،حيث تم إنزال مناقصة لإعداد التصاميم شاركت فيه شركات عالمية متخصصة من فرنسا وألمانيا وهولندا وشركات عربية وبعد التحليل من قِبل لجنة برئاسة الخبير العالمي رئيس الاتحاد العالمي السابق للمتاحف العلمية البروفسور ساروج غوش وعضوية الدكتور عبدالله زيد عيسى وبعض الدكاترة المختصين الذين لا اذكر، للاسف اسماءهم، تم إقرار التصاميم المقدمة من الشركة الهولندية تلى ذلك زيارة مدير عام منظمة اليونسكو لليمن وخلالهاوُضِعت حجر الأساس في موقع المشروع بالجامعة.

ثم بعد ذلك بدأ البحث عن تمويل للبناء الذي ،بحسب الفريق الهندسي، قُدِر بمبلغ (اثنا عشر مليون دولار)،
وقد طلب الدكتور صالح باصرة من سفير قطر، وبحضوري، تغطية التكاليف من المساعدة القطرية وُكلّفتُ حينها بزيارة السفير وتقديم ملخص للتصاميم وبعض المذكرات من وزارتي التخطيط والتعليم العالي والحمد لله تمت الموافقة الأولية من قبل القطرين لكنهم اعتذروا بعد ذالك وتكفل صندوق ابوظبي بدعم من وزارة التخطيط بتوفير المبلغ لان توفير الارض وتكاليف البناء كان شرط لطرح المشروع من قبل اليونسكو على المانحين ، 
وبعدها تمت زيارة المنظمة في باريس من قبل الدكتور المرحوم باصرة وقد رافقته أنا والدكتور القدسي ومدير المشروع المهندس عبد العزيز العريقي ومهندس من الشركة الهولندية ،وهناك عُقِد اجتماع مع المعنين بالمنظمة وبحضور سفير اليمن لدى المنظمة الدكتور حميد العواضي ومقابلة المدير العام... وعلى إثر ذلك عُرِض المشروع على المانحين في ورشة نظمتها اليونسكو وحصلنا على دعم كبير، حيث ابدوا استعدادهم في التمويل وتجهيز بعض الأجنحة، والتزمت شركة توتال بأجنحة الطاقة والصناعة ، فيما ألتزم الجانب الياباني بتمويل القبة، بينما قدمت الهند وعد بدعم في حدود ثلاثة مليون دولار والتزمت المنظمة بتدريب وتأهيل الكوادر التي سوف تعمل بالمتحف من خلال تقديم الدورات والمنح .

 المهم بعد زيارة المنظمة في باريس قمنا بزيارة الشركة الهولندية المصممة في هولندا وعدد من المتاحف العلمية في هولندا وباريس.. وللإنصاف أشير هنا إلى تعاون ودعم سفير اليمن حينها في باريس الأخ خالد اسماعيل الأكوع ومساعد مدير عام منظمة اليونسكو للعلاقات الدولية الدكتور أحمد الصياد والاخ الدكتور خالد طميم رئيس جامعة صنعا ،،،،

أضيف وأقول أنه لولا جهود وتشجيع المرحوم صالح باصرة ماكان للمشروع أن يحقق المراحل التي اوشكت على البدء بالتنفيذ للمشروع الذي كان مخططا له أن ينجز خلال ثلاث سنوات، سيما وقد أعلنت المناقصات لكن العمل  توقف بسبب الأوضاع التي شهدتها اليمن وتحول الموقع يومها إلى ساحة اعتصام من قِبل الشباب.

وللتاريخ فقد كانت الجهود جبارة وكبيرة ومثّلت حلما مشتركا لنا جميعاً. وتجدر الإشارة هنا الى انه لم تصرف اَي بدلات للاجتماعات وغيرها كما كان متعارف عليه ومعمول به في اعمال اللجان بل كان عملاً تطوعياً صادقاً هدفه خدمة العلم والثقافة العلمية.

رحمك الله يادكتور صالح وجعل ذلك في ميزان حسناتك فبرحيلك خسرتّ أخا وصديقا ورفيق عمل أدعوالله العلي القدير ان يسكنك الجنة  ويجمعنا في مستقر رحمته.