أي حديث يتعاكس في اللحظة الراهنة مع الآمال التي يعلقها الناس على أي انفراجة تقودهم نحو السلام ، بعد أن وصلوا إلى
هذه المستوى من البؤس ، يعد إمعاناً في المزيد من التيئيس
لكنه يبدو مبكراً أن نتحدث عن إنجازات على هذا الطريق .
كل ما في الأمر هو أن الانقلابيين الحوثيين إعترفوا ، بقبولهم الذهاب الى المشاورات ، بأن قدرتهم على مواصلة مشوار الصلف والطيش قد وصل إلى طريق مسدود ، وأن مخزون المراوغة الذي كانت تعززه القوة التي نهبوها غدراً من دولة تهاوت أمامهم برخاوة لم يعرف التاريخ لها مثيلاً قد استنفذ .
نتوقف هنا لحظة لنراجع مسار الأحداث لنتبين أن مشروعهم الإنقلابي في السيطرة على اليمن من أقصاه إلى أقصاه قد هزم ، وأن تراجعهم إلى جزء من البلاد ليجعلوا منه رهينة لتفاوضات تمكنهم من فرض مشروعهم الاحتياطي ، الدولة الطائفية ، قد تسبب في دمار البلاد ، دون أن يتمكنوا معه من مقاومة التآكل المستمر لقوتهم ، وزعزعة هيمنتهم التي فرضوها بالعنف على الناس في مناطق سيطرتهم .
في تساوق مع هذا المنهج قاموا بفرز طائفي بغيض تسببوا بموجبه في تهشيم المجتمع على نحو بدا فيه منقسماً انقساماً رأسياً عميقاً ، جزء منه يقمع الجزء الآخر الذي بات مثقلاً بدوافع الانتقام .
أخذوا من موقعهم المهيمن يصنعون أسوأ تجربة في إعادة هيكلة المجتمع ، مصحوبة ببناء أيديولوجي مفخخ بمفجرات كفيلة بتدميز البلاد على نحو متواصل .
كل ما أورثه هذا الوضع هو أنه وضع صانعيه في مأزق وأخذ يستنفذ طاقتهم ، ويهيء لتفاعلات إجتماعية أخذت تثير أكثر من سؤال حول مستقبل هذه الجماعة التي فشلت في أن تتحول إلى قوة سياسية مدنية يركن عليها في إدارة الدولة ، وكان أن قابلوا هذه التفاعلات الاجتماعية بمزيد من القمع والتسريح من العمل والمطاردة لفئات اجتماعية عريضة إزداد معها بؤس العيش الذي أضحى يعطي مؤشرات بتفكيك الجماعة بدءاً من محيطها الذي أخذ يتسرب ويتآكل على نحو أفزعها ، مما دفعها إلى تسريع الموافقة على مشاورات السلام .
كانت الموافقة هذه المرة محكومة بعوامل ذاتية داخلية ضاغطة هدفها إمتصاص ولو جزء من تلك التفاعلات التي أخذت تهدد سطوة الجماعة بالتفكك ، وشعورهم بأن الحديدة قد ذهبت من أيديهم ، كما أن برنامج المشاورات المعد سلفاً لن يمتد إلى ما يهدد قبضتها ، ولذلك كان عليها أن تأخذ كل هذه العوامل مجتمعة لتقرر الذهاب الى السويد بحثاً عن انفراجات تعزز تمسكها بالانقلاب ، بمعنى أنها ذهبت وهي لا ترى هذه المشاورات غير “غسيل ” لكل ما ارتكبته بحق اليمن واليمنيين .
على العموم لا بد من احترام الجهد الدولي الذي أبدى كل هذا الحرص على إنهاء الحرب في اليمن مع تمسكه بمرجعيات الحل الثلاث ، وستكشف الأيام القادمة حقيقة هذه الجماعة التي لديها مفهوم واحد للسلام وهو أن تهيمن ، أو أن ترسم من قبل الجميع كقوة تمتلك الاوراق الكافية لتقرير مستقبل البلاد .