بقلم : سعيد النخعي
بدأت ورقة الشرعية تتأكل بعد أن قررت السعودية أن تحبس عنها الماء الذي كان يبلل عروقها فيمدها ببقايا حياة،واكتفت بكمامة صناعية تمدها بالهواء؛ ستنزع عنها حين تستنفذ الأغراض التي أوجدت من أجلها،ليسدل الستار عنها للأبد .
بعد أن رأت السعودية أنها تغرق يوما بعد يوم شرعت بفتح مسارات تفاوضية حقيقية مع جماعة الحوثي،التي كانت قد بدأتها المملكة على استحياء،عبر وساطات محلية واقليمية سرًا،ثم تطورت بمفاوضات مباشرة منخفظة المستوى جمعت ضباطًا من المخابرات السعودية بقيادات من الصف الثاني للجماعة، وظل منسوب المفاوضات آخدًا في الارتفاع كلما أوغلت المملكة في الغرق في بلد معقد التضاريس،ومجتمع أكثر تعقيدا من طبيعته الوعرة.
أيقنت المملكة مؤخرًا فشل خيار الحرب الذي أوجدت الشرعية من أجله ،كذريعة للتدخل العسكري المباشر،لذا كلما انحسرت خيارات الحسم العسكري،كلما بدأت ورقة الشرعية في الضمور لأن الدخول في تسوية سياسية يعني دخول فصل جديد؛ سيجرد شجرة الشرعية مما تبقى من أوراقها الضامرة ،بالتالي لن يبق سوى نزع الكمامة لإعلان وفاتها.
تُشرِّق التحليلات السياسية وتُغرِّب حول الوضع القائم في محافظات الجنوب،وتختلف قراءاتها وفقًا للضخ الإعلامي الذي يحدد مسار سيرها ؛وفقا لخط السير الذي رسمه المتحكم في مجريات الأحداث ،لذا ظلت تدور في أفلاك فارغة، منشغلة بخيارات غير واقعية، ولا ممكنة،تدور في حلقات مفرغة،تحت عناوين فضفاضة،تتأرجح بين شعار عودة الشرعية، وشعار استعادة الدولة ،لاشغال الرأي العام الجنوبي لأن هذه هي الضمانة الوحيدة لبقاء الأمور معلقة جنوبًا،في حين تتجه الجهود التفاوضية شمالًا،باعتبار الشمال هو العقبة الكؤد بالنسبة للمملكة،فمنه فُتِح الباب،ومنه سَيُؤصد.
نجحت القوى الشمالية في تسويق نفسها كأطراف سياسية مؤثرة في المشهد السياسي داخليًا وخارجيًا،فاستطاعت أن تفرض احترامها وشروطها، فضمنت استمرار دورها في أي تسوية قادمة،في حين لا يحتاج التحالف إلى جهد كبير لاقناع القوى الجنوبية - بشقيها الوحدوي والانفصالي- بنتائج أي تسوية سوى التهديد بنزع الكمامة فقط.
ظلت دول التحالف تنظر للجنوب كخزان وقود يمد الجبهات بالمقاتلين،مقاتلون أشداء صادقون، يخوضون حربًا بعواطفهم في سبيل الله حينًا،وفي سبيل الوطن أحيانًا، وطن لايزال الناس مختلفون في أمره،ولايزال النظر في قضيته مؤجلًا،بعد أن سوَّقت القوى الجنوبية نفسها للتحالف كشركات دعاية للشركات الأمنية،يقتصر دورها على الترويج للحرب، ومكاتب لتجنيد المقاتلين مقابل أمتيازات وعطاءات مادية تُمْنَح لقياداتها،تاره باسم الانفصال ،وتارة لدعم عودة الشرعية،فلاتهم التسمية هنا،دعم الانفصال،أو دعم عودة الشرعية،أو دعم الشيطان مادام الهدف مُتحققًا،والثمن مَعلومًا .
لايستطيع التحالف نزع الكمامة،عن الحوثي أو الاصلاح،أو المؤتمر،لأن هذه القوى تتنفس برئات طبيعية ،بخلاف الشرعية والانتقالي اللذان يتنفسان بكمامة صناعية،تضع الرياض يدها على أنف الشرعية،وتضع أبوظبي يدها على انف الانتقالي،لذا لن يحتاج إنهاء دورهما سوى نزع الكمامة فقط.
لذا تجد الحوثيين يفاوضون بالإصالة عن أنفسهم، من خلال مسارات تفاوضية،لاتتجاوز بقية القوى الشمالية،بعيدًا عن الشرعية التي يُفاوض عنها بالوكالة،والدليل على ذلك صفقة تبادل الأسرى التي تمت بين الرياض وصنعاء دون الرجوع للشرعية ،أو حتى علمها،أو اشراكها ولو رمزيًا بحضور يمثلها،فلاعزاء هنا للقوى التي لا وجود لها في العالم الحقيقي،لأن دورها مقتصرًا على إدارة صراع العالم الافتراضي فقط،لذا ظل الإعلام الجنوبي بشقية الشرعي والانتقالي مقتصرًا على الشحن ،والشحن المضاد، وإشغال أتباعهما بمعارك إعلامية لاجود لها في عالم الكبار؛ وفقا للخط الإعلامي الذي رسمه الممول لهما،فشغلا أتباعهم بجدل أي الرئيسين الافتراضيين سيعود إلى عدن ؟ المدينة التي لايزال الجدل محتدمًا حولها، ولم يحسم أمرها،هل هي عاصمة موقتة لليمن ،أم عاصمة أبدية للجنوب ؟
سعيد النخعي
القاهرة 29/نوفمبر/2019م