لم أكن أحب عمان، ولا سلطانها، كانت مشاعري تجاهها محايّدة وأحيانًا تقترب من الريبة والتوجس منها، كنت أقول في نفسي: هذه دولة عربية لكنها مفارقة للعرب في خطها السياسي المنعزل نسبيًّا وربما الغامض.
مع الأيام، تغيرت نظرتي لها، صرت أراها أكثر رشدًا، دولة بقدر رتابة نهجها السياسي وتجنبها الاشتباك مع الملفات الساخنة بالمنطقة، إلا أنها أكثر جدارة بالإحترام من دول عربية حشدت كل إمكاناتها للفتك بأحلام الشعوب ونشر الفوضى وإعاقة أي محاولات لبناء الدول.
لم تكن عمان صديقة لنا؛ لكنها لم تكن عدوّة أيضًا، استقبلت علي سالم البيض يومًا ومنحته حق اللجوء فيها بهدوء كمواطن تشرد من بلده لسبب أو لأخر، ومثله فعلت مع الرئيس هادي حين ضاقت به البلاد، والحال ذاته فعلته مع الناطق باسم الحوثي ووفرت له مكانًا للإقامة فيها، ولاحقًا حين غدر حلفاءنا بنا، فتحت عمان أحضانها لحمود سعيد ولكل مسؤول ضاقت به بلاد الحلفاء المتربصين.
ما يجعلك تحترم هذه الدولة هو أنها اختطت لنفسها نهجًا سياسيًّا واضحًا منذ البداية، مفارقًا للعربان لكنه محروس من دسائسهم، إذ لم يأتيك منها خيرًا، فلا يأتيك شر. بهكذا تعامل تظل السياسة العمانية خارج أي شبهة فيما يتعلق بأي أدوار سلبية للعربان في بلادنا، دولة مسالمة وبلا أي أطماع متجاوزة للسيادة أو مثيرة للفوضى..لا تتحرش بأحد، مغلقة على نفسها؛ لكنها لا تولي ظهرها ليمني حين يلجأ إليها، وبالشكل الذي يتوافق مع خطها السياسي وبما لا يسيء لأحد.
بل أنها في قضية المهرة تكاد تكون منحازة للنهج الوطني المعارض لمحاولات المملكة فرض تواجدها هناك بشكل غير مبرر ومتجاوز السيادة قد يقول قائل: لم تفعل ذلك محبة فيك بل خوفًا من تغول السعودية هناك.
حسنًا حتى مع كون الأمر كذلك، فلا حرج فيه، ففي كل الحالات ما هو مهم أنها تشتغل بشكل منسجم مع الثوابت الوطنية وتقاطع المصالح هنا مشروع، تدعم تيارًا وطنيًا يدافع عن سيادة بلده ودونما تدخل مباشر منها وبما ولا يثير مشكلة سيادية أو يستفز الوجدان الشعبي، ذلك أمر يستحق الإحترام أيضًا ويلعم العرب درسًا في السياسة الناعمة تلك التي تتقاطع مع مصالح الجيران ولا تجرح كبرياءهم الوطني أو تتعداه.
*رحم الله السلطان قابوس، تعازينا لأهله وندعم جهود خليفته في استرداد ساحل عمان