ودعت تعز اليوم الشهيد العميد عدنان محمد الحمادي قائد اللواء 35 مدرع إلى مثواه الأخير ، و بحضور لافت ترجم ما للشهيد من مكانة و حب في القلوب .
منذ الغدر باليمن و دعم مليشيا الانقلاب و التمرد ماديا و معنويا، و مدها بأسباب الحياة، بحبل من إيران، أو غفلة أطراف، و خصومة مبيتة من آخرين، و مكر من البعض ؛ جرت اغتيالات و نفذت جرائم و تصفية قيادات و أبطال؛ لم يكن أولهم حميد القشيبي وصولا إلى جعفر محمد سعد، مرورا بصالح حليس، و عمر دوكم، و أحمد علي باحاج ...، و نتمنى أن يكون آخرهم الشهيد عدنان الحمادي، و أن تتوقف هذه الجرائم عند هذا الحد، أو يكتب لها الفشل كما كتب للمحاولة الإجرامية النكراء التي استهدفت النائب أنصاف مايو في عدن.
هذه السطور سيقتصر حديثها عن العميد الشهيد عدنان الحمادي الذي استهدفت حياته يوم 3 ديسمبر الماضي.
وبعيدا عن عويل الاستثمار البائس لقضية الشهيد الحمادي ، و المتاجرة الرخيصة، و نُواح الابتزاز ؛ فإن دم الشهيد الحمادي أنقى من أن يتحول إلى قميص عثمان ؛ لخدمة ذوي النفوس الموتورة، و النوايا السوداوية، التي تبتهج لأي مصيبة بنية استثمارها لأغراضها المريضة، فتذرف دموع عويل الاستثمار الرخيص إلى متاهات التضليل و تصفية الحسابات، و على حساب الحقيقة و الشهيد المظلوم، فإظهار الحقيقة و نشرها و معرفتها هو مطلب شرعي و قانوني للجميع.
للشهيد الحمادي مواقفه التي لا تُنكر، فهو من القيادات العسكرية التي لم تفرط بشرفها العسكري فتنقاد لأغيلمة الحوثي كما فعل آخرون، و إنما كان ممن انحاز بجلاء و وضوح إلى مربع الدفاع عن الثورة و الجمهورية، و الوقوف في وجه مشروع الإمامة و الكهنوت.
هذا الموقف و الخيار كان له تبعاته و تضحياته ، و قد تصدره كل أحرار تعز، سواء من المدنيين أو العسكريين ؛ و لذلك تلازم أداء الشهيد، و تلاحَمَ جهده و جهاده مع المقاومة الشعبية منذ تسلم قيادة اللواء 35 بعد أن قام الضباط و الصف و الجنود الأحرار في اللواء بطرد منصور معيجير الذي كان يقود هذا اللواء و لكنه -للأسف- خضع صاغرا لمليشيا الحوثي، و سلمها موقع العروس بجبل صبر، و معسكر خالد في مفرق المخاء .
و حين تم تعيين العميد الحمادي قائدا للواء في 2 أبريل 2015م. بعد طرد القائد السابق معيجير قام الانقلابيون بمنع صرف المرتبات عن أحرار اللواء ؛ و لأن الكتائب التي كانت تتواجد في المطار القديم بتعز بانحياز غالبية ضباطها و أفرادها للثورة و الجمهورية ، فبالتالي ستكون هي القوة العسكرية التي ستمثل عمود المقاومة و رأسها؛ و لذا فقد بادر الإصلاح لتوفير مبلغ يصل إلى أكثر من مائة و خمسة عشر مليون ريال بدلا عن رواتب الضباط و الجنود التي منع صرفها الانقلابيون.
كان التلاحم و التعاون بين المقاومة الشعبية و الشهيد الحمادي مبكرا، و بصورة ميدانية و عملية، لا مجرد أقول .
لا ترد معلومة قيام الاصلاح بتوفير مرتبات الجنود لأول مرة هنا، فقد سبق الإشارة إليها في ندوة عامة مفتوحة عام 2016م. و وردت مرة أخرى في كتيب تم توزيعه في ذكرى تأسيس التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة تعز في سبتمبر 2018م. بمناسبة الذكرى الثامنة و العشرين لتأسيسه، كما لا نكررها هنا للفخر و التباهي، و إنما نوردها للتلازم المبكر و التلاحم العميق الذي جمع الشهيد الحمادي و الإصلاح في خندق الفداء و التضحية .
لقد كان للشهيد مواقفه الوطنية، فكما أنه لم يفرط بشرفه العسكري ؛ و وقف في وجه الحوثية ؛ كذلك فإنه لم يفرط بمواقفه الوطنية ليتقزّم في مشروع قروي تقزم فيه آخرون و أرادوا أن يتقوقع معهم فيه، فأبى بكبرياء، و تعالى عن ذلك بشموخ.
و ظل منحازا للشعب و الوطن، عندما أريد للشهيد الحمادي أن يُسَخَّر ليكون رأسا و مظلة لمسمى نخبة أو حزام في الحجرية، أو حتى يبقى كيانا مُدجّنا و منقادا دون تسمية من تلك المسميات، فكان ذلك - بسبب الظروف التي تمر بها البلاد- من أصعب المواقف التي واجهته ؛ لأن بعض الصغار كان يهلل و يشجع للارتهان خارج المشروع الوطني، و كانت هذه الضغوط - المحلية و غير المحلية - من أشد الضغوط التي مورست عليه، لكنه استطاع بحنكة و ثبات ، و تسويف و مرونة أن يتجنب الوقوع في تلك الفخاخ غير الوطنية، بل و يُفشلها، و للقارئ أن يتصور قدر الضغوط، و ثقل المعاناة و حجم العناء، و هو يسعى جاهدا لتفادي كل تلك الألغام التي وضعت في طريقه بهدف استقطابه بعيدا عن الشرعية، و كم بذل من جهود للتخلص من تلك الضغوط التي واجهها.
كان الحمادي أمام تلك الضغوط يحاول استيعابها و يعمل على إفشال تحققها واقعا، و كان يثق أن الإرادة الشعبية لمجتمع المحافظة يرفض تماما تشكيل مسميات بعيدا عن الشرعية، و كان مطمئنا لموقف الحاضنة الشعبية و يستمد منها قوة إلى قوته لرفض مخططات الصغار.
أريد للشهيد الحمادي أن يُسخّر فيكون مع اللواء 35 مظلة لمآرب أخرى، لمجاميع مسلحة تضاف اسما على اللواء، لكنه رفض ذلك، و مثله رفض كل أحرار اللواء، إذ بذل الشهيد جهدا شاقا في كبح جماح تلك المخططات، و إفشال مكر و صلف تلك الممارسات.
أرادوا الدفع به ليدعم سيطرة مليشيا خارجة عن المؤسسة العسكرية سيطرت مدة من الوقت على جزء من المدينة، و أغلقتها على نفسها بالحواجز و المتارس، و عزلها نهائيا عن بقية أحياء المدينة ؛ فرفض بحنكة الاستجابة لتلك الضغوط، و تمكن من تفويت تلك الرغبة عليهم.
أرادوه أن يكون عنوانا لمشروع قروي ساذج، فبذل جهدا كبيرا للتقليل من تلك الطموحات الصبيانية و احتوائها، و إفراغها.
يعلم الجميع أن الشهيد تعرض لمحاولة اغتيال بعبوة مفخخة سابقا، فتمكن من فاعليها، و لكنه برجولة الفارس تسامى فوق الجراح و تجاهل أمر منفذي تلك المحاولة الآثمة و أطلق سراحهم .
لقد استشهد العميد عدنان الحمادي في وقت أشد ما تكون تعز حاجة إليه، فقد كان يواجه مع مختلف ألوية الجيش الوطني المشروع الظلامي للكهنوت الحوثي، و كان يجاهد الضغوط و الاستقطابات للمكان الخطأ ، فاستعصى عليها و انحاز للشعب و الوطن، و انحاز لكل اليمن، فالأقزام وحدهم من تستهويهم المناطقية ، و الجهوية ، و الصغار وحدهم من تغريهم الأطماع فيرتهنون لغير الشرعية و غير المشروع الوطني.
رحم الله الشهيد عدنان الحمادي الذي ملأ مكانه، و حفظ مقامه، و رفض أن يتقزم، أو يقزم أهدافه باتجاه قروي أو مناطقي ، و أبى إلا أن يكون في صف المشروع الوطني الكبير.