أثار مقتل الأمريكي الأسود من أصل أفريقي على يد شرطي أبيض موجة عريضة من الاحتجاجات في مدن أمريكية عدة . ليست هذه الضحية من السود هي الضحية الأولى، و التي تكشف أن الثقافة العنصرية ماتزال حاضرة في الشارع الأمريكي، و يكفي - للدلالة على ذلك - أنها جاءت من فرد من أفراد الشرطة، و هي الشريحة المنوط بها حفظ أرواح الناس و ممتلكاتهم، و التي يفترض أنها تلقت دراسة و تعليمات مكثفة عن صيانة و حماية و حفظ الناس و حقوقهم.
صحيح أن السود صاروا يتمتعون - قانونا - بكامل الحقوق، غير أن الممارسة العنصرية - هناك - ماتزال تطل ببؤسها بين حين و آخر.
مقتل جورج فلويد - بدوافع عنصرية - ليس الضحية الأولى كما قلنا، و لكنها الضحية التي أثارت موجة احتجاجات غاضبة بشكل أكبر، بل تجاوزت الولايات المتحدة الأمريكية الى عواصم دول غربية أخرى، و بصرف النظر عما إذا كانت هناك دوافع أخرى و من يحرك هذه الدوافع لتوظيفها لمآربهم الخاصة إلا أننا نقف عند تصريحات وزير الدفاع الأمريكي الذي يرفض نزول الجيش إلى الشارع لقمع تلك الاحتجاجات، التي يصل بعضها إلى السلب و النهب للمحلات، و إحراق البعض، و حجته في ذلك أن الجيش مهمته الدستورية حماية الشعب و الوطن.
هذه مهمة جنرالات أمريكا الأصليين، و هذه ثقافتهم و مواقفهم تجاه شعبهم و وطنهم، و هو ما مثله وزير الدفاع الأمريكي بتصريحه.
نظريا، جنرالات أمريكا عندنا الذين يعودون متحكمين - ممن تتلمذوا في قاعات الأكاديميات العسكرية الأمريكية من البلاد العربية - يقولون نفس القول، أن مهمتهم حماية الدستور و الدفاع عن الشعب و الوطن ، يحفظون ذلك نظريا، لكن حقيقة أفعالهم - إلا من رحم الله و قليلا ماهم - البطش و التنكيل، و الدوس بالبيادة على الدستور و القانون، و على رأس الشعب و الوطن !
يتحول الجنرال - العربي الأمريكي ثقافة و صناعة - إلى عصا غليظة بيد ديكتاتور طاغية يقبع على كرسي الحكم في هذا البلد العربي أو ذاك.
و ربما مثل أولئك الجنرالات - هنا أو هناك - عصابة حاكمة في الظل تتقاسم النفوذ مع الديكتاتور الذي يمثل واجهة الحكم.
و في ظل تسلط جنرالات أمريكا يُرمى بالدستور جانبا، و يُرفع سيف الطغيان على الرؤوس، و تفتح السجون و المعتقلات لشعب مغلوب على أمره، و يتم التفريط بكرامة الوطن و سيادته .
و مع هذا البطش، و ذاك التنكيل؛ نجدجنرالات أمريكا- المدجّنين - أكثر الناس حديثا - مع كبيرهم القابع على كرسي الحكم - عن الشعب و الوطن و الدستور .
فبالدستور يحكمون، و على مصلحة الشعب يسهرون، و لخدمة الوطن يعملون، هكذا يهرفون و يخطبون و يقولون، و من لا يصدق و لا يطبل ثم يعترض فالسجن مصيره، و المعتقل ينتظره.
كيف نشأ هذا الفرق بين جنرالات أمريكا الأصليين، و جنرالات أمريكا ( المصنّعين ) ؟
كل ما هناك - كما يقول الكثيرون - أن أمريكا خاصة، و الغرب عامة، و من على شاكلتها في العالم، يربون جنرالاتهم الأصليين لخدمة وطنهم و شعبهم، و يربون الجنرالات - المصنعين- لخدمة أمريكا و مصالحها.
ترى متى سيكون للعرب جنرالات من صنع محلي، يحمون الدستور، و يخدمون الشعب، و يدافعون عن الوطن !؟
لا بد لذلك من ربيع عربي مستمر .