بغض النظر عن أهمية مصالح المملكة العربية السعودية من بقاء شرعية الرئيس هادي وحتمية التمسك بها ، لقد فاض كيل السعودية منها ، والسؤال الأهم هل لدى المملكة الخطة ب و ج بعد فشل الخطة أ ، هل لدى المملكة تصور ورؤية لما بعد مرحلة الرئيس هادي ونهاية الحرب في اليمن ، إن تسارع الأحداث المحلية والاقليمية والدولية وصعود بايدن غير المتوقع حتم على السعودية مجاراة تلك الأحداث ومواكبة تلك التطورات للخروج برؤية طارئة لتلافي الخسائر الممكنة بهكذا وضع عالمي شديد التعقيد والصعوبة .
هل بلغ سيل السعودية الزبى من شرعية يمنية مهترئة وفاسدة ومتواطئة أدمنت العيش عالة منذ ست سنوات تقريبآ في الرياض ، ولا تريد أن تضع حدا لهذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس في اليمن ، البعض قد يتباذر إلى ذهنه عن سبب غفوة أو غفلة المملكة طوال تلك السنوات الست على شرعية كانت متواطئة مع مليشيات الحوثي الإيرانية ومن الرياض هذه المرة ، ترجم ذلك التواطؤ بعدم نقل معظم المرافق الايرادية من صنعاء إلى عدن الا بعد خراب مالطا ، واستمرار الارتباط المشبوه لمرفق إيرادية هامة حتى اللحظة ومنها قطاع الإتصالات الحيوي الهام ، ناهيك عن طيران اليمنية وسنتر الأجواء اللذان يذران عشرات الملايين من الدولارات لخزينة مليشيات الحوثي ، بالمعنى الصريح تمويل شرعي لنشاط مليشيات صنفت مؤخرا كمنظمة إرهابية .
كما أن هناك معظم مراكز البنوك التجارية والأهلية والشركات والمنظمات الدولية و الاقليمية التي رفضت الانتقال إلى عدن بسبب االتخوف من عدم رغبة وجدية الرئيس هادي للعودة إلى العاصمة عدن ، تم ايهام المملكة أن سبب تلك العلاقة المشبوهة بين الشرعية ومليشيات الحوثي لغرض عدم تكريس انفصال جنوب اليمن ، حسابات مخابراتية وسياسية سعودية خاطئة كانت وراء ذلك التمسك الكارثي بأكاذيب الشرعية .
كما قلت بمقالات سابقة أن التحالف العربي وبالخصوص السعودية والإمارات حديثي عهد وتجربة بهكذا حروب عسكرية خارج أراضيهما ، وتدعياتها السياسية والأمنية والإدارية والإنسانية كانت فوق طاقتهما ، نجاح القوات المسلحة الإماراتية في تحرير جميع الأراضي الجنوبية كان بسبب توفر الحاضنة الشعبية المحلية ، وكادت القوات المسلحة السعودية تحقق نفس الانتصار وبنفس الزخم في المناطق الشمالية ، وصلت لمشارف صنعاء وأصبح مطار صنعاء قاب قوسين أو أدنى من سقوطه وتحرير صنعاء كاد أن يكون تحصيل حاصل ، الغدر والخيانة من قبل قبائل ومشايخ وجيش الشمال حال دون ذلك الانتصار وإنجاز المهمة بفترة وجيزة ، رغم الفارق المهني والعددي واللوجستي والتسليحي بين الشمال والجنوب .
لم تغير المملكة من استراتيجيتها المتبعة في شمال اليمن ، وهذا خطأ إستراتيجي فادح دفعت المملكة ثمنا باهظا جدا بسببه ، وتعرضت لاستنزاف عسكري ومالي وبشري حتى أفقدها أمنها القومي بالعمق السعودي بالرياض ومنشات أرامكوا النفطية الهامة وغيرها من المواقع الحيوية بالحد الجنوبي للسعودية ، حاولت المملكة العودة إلى الطريق الصحيح من خلال الإقالة الاولى لقائد القوات البرية للمملكة الأمير فهد بن تركي الذي كان أحد أهم أسباب الفشل العسكري السعودي في شمال اليمن .
والاقالة الثانية لفهد بن تركي من قيادة القوات المشتركة للتحالف العربي بتهمة فساده بحرب اليمن الذي كلف خزينة المملكة مئات المليارات من الريالات السعودية ، الوضع الإقتصادي للمملكة العربية السعودية حساس جدا بسبب هبوط أسعار النفط غير المتوقعة ، وعودة جائحة كورونا للمشهد العالمي والذي ينذر بعودة الركود الإقتصادي وتوقف شبه كلي لعجلة الإقتصادالعالمي وانهيار كبير ووشيك لسوق النفط الخام العالمي ، ونفقات الحروب الهائلة التي تؤثر دائمآ على أقوى اقتصاديات العالم .
لا يعني ذلك بالضرورة إفلاس المملكة ، ولكن عليها الترشيد بالانفاق لمجابهة أوضاع ومرحلة قادمة لا يعلم مدى تعقيدها وكارثيتها وتدعياتها سوى الله عز وجل ، ولهذا لن تخضع المملكة العربية السعودية هذه المرة لأي نوع من انواع الابتزاز الرخيص من قبل أعضاء مجلس الأمن الدولي أو من الرئيس الأمريكي الجديد بايدن .
ستسوي المملكة جميع خلافاتها ومشاكلها بصورة ثنائية أو ثلاثية مباشرة ، حتى لو كلفها ذلك بعض التنازلات المؤلمة .
المرحلة الراهنة هي مرحلة الفطام السياسي والمالي وحتى العسكري بين المملكة والشرعية وباقي الأطراف الاخرى على الساحة اليمنية ، مرحلة ماراثونية لمن يصدر القرار الصعب أولا قبل إتخاذ أي قرارات أمريكية أحادية وكارثية قد تضع المملكة في ورطة الورطات .
الآن أصبحت المملكة جاهزة لوقف الحرب بأي لحظة ، ومستعدة حتى للعودة إلى مبادرة جون كيري السابقة في مسقط ، أما أمنها القومي فهناك طرق ووسائل أخرى غير الحرب ستتخذها المملكة للحفاظ عليه ، ومنها تصنيف مليشيات الحوثي الإيرانية منظمة إرهابية وجعلها منبوذة ومحاصرة كحزب الله اللبناني وغيرها من المنظمات الإرهابية المحظورة .
قبل أسبوع تقربيا من نشر تقرير لجنة العقوبات الدولية بمجلس الأمن ، سربت المملكة للإعلام خبر عدم نية المملكة دعم الحكومة الشرعية بوديعة أو منحة بملياري دولار لخزينة بنك عدن المركزي ، فلم تحدث تلك المليارات أي فرق للحد من نزيف تدهور الريال اليمني أو الحد من ظاهرة غلاء المعيشة ، وأتى التقرير ليقصم ظهر شرعية الفساد ونهب المال العام و المنح والمساعدات والودائع ، هناك وجه تشابه كبير بين صنعاء وعدن في هذا المجال اللصوصي .
التقرير أدان الجميع في صدر صفحاته ، والتقرير شمل الجميع ورفع الكرت الأصفر الأخير في وجه جميع أطراف النزاع ، فهل من مراجعة حقيقية وشاملة وجلد الذات قبل إصدار قرار يقضي على جميع الأطراف ويحولهم للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم ضد الإنسانية في اليمن .