حتى وإن وجد السفراء في سفاراتنا، فإن وجودهم كعدمهم كما يقال! . ولكن على الأقل سفارة بسفير متقاعس أفضل من سفارة بدون سفير.
سفارة بدون سفير ... هذا هو حال سفارة بلدنا في العاصمة التركية أنقرة، فمنذ ان غادرها السفير عبد الله السعدي في العام 2018، لم يتم بعدها تعيين سفير بديل له. لا أعتقد أن وزراه الخارجية اليمنية تخلو من الكوادر الدبلوماسية، حتى تترك سفارتنا في دولة يعيش على أراضيها عشرات الالاف من اليمنيين. دولة مثل تركيا تعتبر من أهم الدول التي تولي الشأن اليمني اهتمام كبير، خاصة في المرحلة الحالية التي يعيش فيها اليمن أسوأ أزماته الإقتصادية والسياسية والأمنية في تاريخه الحديث.
كما لا أعتقد أيضاً بأن السبب وراء عدم تعيين سفير جديد يدير شؤون السفارة، هو عدم وجود الإمكانيات المادية لدى الحكومة اليمنية. فقد عينت وزارة الخارجية العديد من الدبلوماسيين المستجدين، الذين لم يتدرجوا في السلم الوظيفي للحصول على الوظيفة الدبلوماسية، ولم يخضعوا حتى لامتحانات الكفاءة التي يخضع لها جميع من يعملون في السلك الدبلوماسي. بل أن السبب في اعتقادي يرجع الى عدم السماح للحكومة اليمنية المرتهن قرارها السياسي بيد أنظمة أخرى، كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. فلا شيء يفسر تقاعس الحكومة اليمنية تجاه تعيين واستئناف نشاط الدبلوماسية اليمنية، سوى الخطوط الحمر التي تضعها دول ما يسمى " التحالف العربي " أمام الحكومة اليمنية.
تولي تركيا الملف اليمني اهتمام وآسع، خصوصاً فيما يتعلق بالقضايا الإنسانية. فقد منحت الحكومة التركية آلاف المنح العلاجية للمواطنين اليمنيين، الذي يعانون من أمراض خبيثة، حيث استضافت مستشفيات تركيا العشرات بل المئات من المرضى اليمنيين على مدار السنوات الماضية. بالإضافة الى منح آلاف الطلاب اليمنيين منح دراسية كاملة، إلى جانب إتاحة الفرصة لألاف الطلاب اليمنين للإلتحاق بالدراسة في جميع الجامعات التركية. كما سهلت الحكومة التركية للألاف من أبناء الجالية اليمنية الحصول على امتيازات إستثنائية للحصول على الإقامة، دوناً عن أبناء الجاليات الأخرى. وذلك من خلال إعطاء اليمنيين المقيمين أعلى مدة زمنية يمكن منحها للمواطنين الأجانب (سنتين) في تركيا. ليس هذا وحسب بل أنها أعطت حق الحصول على " الإقامة الدائمة " لليمنيين الذين استوفت شروطهم حق الحصول على هذه الإقامة. وذلك بمجرد أن قامت الهيئة الإدارية للجالية اليمنية في تركيا بتدشين زيارة واحدة فقط لوزارة الداخلية التركية.
لا يطرق باب من أبواب الحكومة التركية سواء من قبل السفارة أو الجالية أو حتى من قبل الجمعيات والاتحادات الطلابية اليمنية، إلا ورحبت المؤسسات التركية الرسمية وغير الرسمية أيما ترحيب بهذه الكيانات، واستجابت قدر المستطاع لتلبية احتياجاتهم ومطالبهم. ولكن للأسف وعلى الرغم من حاجة اليمنيين الماسة، خصوصاً في هذا الظرف الاستثنائي الذي يعيشه اليمنيين في الداخل وفي الخارج، لجميع أنواع الدعم، وللسعي من أجل بناء شراكات مع الحكومات والمنظمات الدولية الأجنبية، تتخلى الحكومة اليمنية كلياً عن القيام بمسؤولياتها، والسعي وراء تنشيط الدور الرسمي لها، من أجل استغلال الفرص المتاحة والمقدمة من قبل الدول الشقيقة والصديقة، بدون أية مبرر!
ماذا نتوقع أصلاً من حكومة قطعت علاقاتها مع حكومة أخرى كانت هذه الأخيرة قد تكفلت بمعاشات دبلوماسييها بالكامل، وذلك بسبب عدم قدرة الأولى على التكفل بدفع رواتبهم ومستحقاتهم المالية. كل ذلك من أجل إرضاء أطراف لا تكن سوى العداء والشر للدولة وللشعب اليمني. أننا نعيش حقاً عصر الانحطاط السياسي بكل تفاصيله. لقد أساءت الحكومة اليمنية لنفسها ولليمنيين وللأرض اليمنية، وحتى للتاريخ اليمني.