صالح حليس وأصحاب المَكْر السيء!!*

2021/08/16 الساعة 12:27 صباحاً

*

عبدالفتاح الحكيمي


كنت أسمع كثيراً عنه دون أن أتعرف على صورته.
أِنطبع في ذهني عن الرجل منذ بداية تسعينيات القرن الماضي أنه واحد من متشددي حزب الإصلاح ومن قياداته المؤسسة للتطرف في عدن واليمن وهكذا بنظري كل جماعات وتيارات الفرق والأحزاب الإسلامية في تلك الأيام التي تشكل فيها وعينا في إطار خطاب ذهني تعبوي تحريضي عام يحكم دون استبصار وتمييز بين أن تسمع ويقال لك وبين أن ترى وتعايش بنفسك.!!
هكذا مرت السنوات والانطباع.. وكان أبغض شيء إلى نفسي مما لا أطيقه أبداً هو الصلاة خلف الحزبيين وأصحاب الفرق والتكفيريين, فكنت أفضل الصلاة في جامع يبعد كثيراً عن مكان سكني خصوصاً الجمعة وكأنني اكتشفت ضالتي أخيراً أشبه بتفاحة نيوتن (وجدتها .. وجدتها) فقررت الصلاة معظم الأوقات في جامع الرضا الشهير بالمنصورة-عدن الذي تمت إعادة بنائه بطريقة مبهرة على نفقة مجموعة هائل سعيد أنعم لأهرب من بعض من اعتبرهم سلفيين متشددين في مساجد حي ريمي الذي كنت أقطنه. 
قلت في نفسي خطيب الجمعة هذا لا يشبه غيره في لغته ومنطقه وموضوع ربط الدين بالحياة وتفاعلات المجتمع ومشكلاته .. وظل سؤال الشك الديكارتي يلعب برأسي ( من يتبع هذا الرجل وأي فرقة أو حزب) إذ لم أجد ثغرة متاحة تضعه في خانة الحزبيين ولا غيرهم.. بل لا يشبه الرجل غيره في رحابة الروح وسعة الثقافة المعرفية وجاذبية الأسلوب والربط الخطابي المقنع وغير النمطي, ونهج التوعية والتفاعل ازاء قضايا يومية معاشة أهم من خطابة الترهيب والترغيب وحديث الجنة والنار التي يهرب إليها خطباء الجمعة التقليديون ومن يحصرون رسالة الوعظ والدعوة في الوعد والوعيد طوال حياتهم.
لم أسأل عن اسم الرجل ويئست تماماً من تنميط هويته الحزبية وميوله السياسي إلى أن كانت إحدى أيام أغسطس ٢٠١٦ م بعد سنوات حينما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام خبر اغتيال أمام جامع الرضا بالمنصورة-عدن بعد صلاة العصر على أيدي الإرهابيين الحقيقيين.. ولم يفاجئني رحيله بتلك الطريقة المتوقعة حينها أكثر من معرفتي أن ذلك الرجل الذي بكت رحيله الآلاف في المدينة وغيرها هو الزاهد والإنسان التقي النقي الأستاذ صالح سالم حليس تغشاه رحمة الله ورضوانه.
في مثل هذه الأيام التي تصادف ذكرى اغتيال الشيخ صالح حليس ليس أكثر من أن ندعو الله تعالى لهذا الرجل وأمثاله من القلب بالرحمة والمغفرة وأن يرفع الله درجته ومنزلته في الجنة كما كان هو دأبه رفع اسم الله والدعوة إلى دينه فوق الأحزاب والفرق وتيارات السياسة الدنيوية.
وليكن الأنصاف الحقيقي أيضاً هو ملاحقة القتلة المجرمين ومن خطط ونفذ أبشع جرائم العصر في حق أبرياء عزل تمت تصفيتهم بنذالة منقطعة النظير ولؤم لا يوصف وبعد صلاة الفجر أيضاً.
ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
والله خير الماكرين.