ثورة ٢٦ ديسمبر المجيدة .
بقلم : عثمان الأهدل
لاشك أن التخلص من الاستبداد والطغيان هو آمال الكثير من الشعوب في بلداننا العربية، وأن ثورة ٢٦ سبتمر من عام ١٩٦٢م كانت بوابة الأمل التي حلم بها اليمنيون، لتكون بوابة نحو مستقبل باهر ومزدهر ينتشلهم مما كانوا عليه من تخلف وجهل وتردي في الأوضاع المعيشية. اليمن لم تسلم منذ مئات السنين من حروب وثورات وانقلابات، كلها كانت صراعات بينيه بين الأسرة الامامية بعد أفول نجم الدولة العثمانية، التي كانت باسطة نفوذها على معظم الدول العربية، إلا أن ثورة ٢٦ سبتمر كانت مختلفة، لاختلاف نهجها عن ذي قبل نحو حكم ديمقراطي تقدمي رغم تأخر نتائجه جراء الفوضى التي أحدثها البدر من الخارج حالمًا لاسترجاع حكم أجداده استمرت حتى عام ٦٨م.
ثورة ٢٦ سبتمر المجيدة لم تكن هي الأولى في محاولات التخلص من جلباب الجهل الامامي، الذي جثم على أنفاس الشعب الأبي، الذي لم يكِّل ولم يَملّ من محاولاته الدؤوبة. فكانت ثورة ٣١ مارس ١٩٥٥ التي قادها المقدم أحمد يحي الثلايا، والتي كادت تنجح لولا تخاذل القبائل ومساندتها للإمام أحمد مقابل حفنة من الدريهمات واستخدامهم مطية آل البيت للتدليس على الوضع لكانت هي الثورة المجيدة.
ومن نتاج باكورة ثورة ٢٦ سبتمر مباشرة، كانت في شق الطرق بين بعض المدن الرئيسة وفتح الإعلام بشتى محافله وتشيد المدارس والجامعات، كل ذلك رغم التدخل الخارجي الذي أحدث انقسامًا بين الزعامات اليمنية تلبيةً لتصفية حسابات لأطماع أطراف خارجية جعلت الشعب اليمني وقودًا لها. إلا أن بداية تأسيس دستور الجمهورية الفعلي الحديث كانت في فترة تولي الرئيس إبراهيم الحمدي أحسن الله مثواه والتي امتدت لأربعة أعوام تقريبًا.
فقد حدثت في عهده نقلات نوعية في شتى خدمات الدولة، من تثقيف الشعب وتوعيته إلى انتعاش اقتصادي وفائض في خزينة الدولة. ولولا أيادي الغدر التي أفجعتنا فيه واِغتيلت آمال اليمنيين وانتزعت فرحتهم، لكانت اليمن بشعبها الحكيم في مصاف الدول المتقدمة صناعيًا واقتصاديًا. وما يحزننا حقيقةً أن الغدر كان من داخل الجهاز الذي ثار على حكم الامام، ليستمر في التدليس وتغير أيديولوجية الشعب القويمة وبناء جهاز حكومي مطبل يزين جرائم الزعيم المدلس بمساحيق التمجيد، حتى وصل بنا المطاف إلى نفق الحروب المظلمة التي أتت على الأخضر واليابس ونشرت شبح الجوع والأمراض.
وللتخلص من تبعات النصب والاحتيال الذي مورس علينا طوال ثلاثة عقود ونيف، علينا كشعب فقدَنا الأمل في زعاماتنا عدم تكرار أخطاءنا، وعدم زعمنة مصالحنا تحت تصرف شخص قد لا يرقب الله فينا إلًّا ولا ذمة، نوليه الفرصة على طبقٍ من ذهب لينهب مقدرات الدولة، وكأنه حقًا من حقوقه غير آبهٍ بمصيرنا. وهذا ما يحدث الآن في الزعامات التي تدعي أنها ترعى شؤون اليمن ومقدراته دون استثناء، إلا أن الحكومة الشرعية هي الوحيدة التي قد تعبر بنا إلى بر الأمان لو تلاحمنا معها ونبذنا العنصرية والقبلية، رغم ما يشوبها من الشبهات، فهي حكومة مرحلية ينتهي دورها عندما يستتب الأمن وتعود الحياة إعتيادية.
يجب أن تكون ثورة ٢٦ سبتمبر حافزًا لنا كشعب ذاق الأمرين من ويلات الحروب والفساد، نحو وحدة الصف والتلاحم ونبذ العنف، والتخلي عن الزعامات والمليشيات العميلة لأطماع خارجية، وهي واضحة جليًا كوضوح الشمس في عز الظهر. وأن الأمل لا زال يلوّحُ بقدومه، وأن الحق قادمٌ لا محال. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.