عن العلاقات اليمنية الروسية في ذكراها الـ 93 عاماً منذ بدء التعاون بين البلدين

2021/10/28 الساعة 04:00 مساءً

 

عبدالقوي نادر


لم تكن الزيارة التي أجراها وزير الخارجية اليمني "أحمد بن مبارك" إلى العاصمة الروسية موسكو أواخر مايو/ آيار الماضي مجرد خطوة عادية، بقدر ما حملت دلالات إضافية على عمق ومتانة العلاقة التاريخية بين اليمن، وروسيا. 

وإلى جانب العلاقات ذات الطابع الرسمي التي بدأت بين اليمن وروسيا قبل 93 عاما، فإن الشعب اليمني يحمل شعوراً عميقاً بالصداقة والأُلفة مع الشعب الروسي والحضارة الروسية العريقة.

هذا الشعور يشترك فيه اليمنيون إلى اليوم بمختلف أطيافهم السياسية وانتماءاتهم الجغرافية. ويشمل التفاعل الحضاري والدبلوماسي الممتد بين البلدين مجالات عديدة؛ من الإقتصاد إلى السياسة والفكر والأدب والتعليم والصحة.

ومع تعاقب الأنظمة والحكومات، وتبدل الأحوال السياسية في اليمن شمالاً وجنوباً، منذ ما يناهز القرن، لم يتوقف الاتصال والتفاعل بين البلدين الصديقين عن التطور إلى مستوى عالٍ من القوة والمتانة.

وقد تعزَّز مسار العلاقات بين الجانبين بشكل مستمر من خلال عشرات المعاهدات والاتفاقيات المدنية والعسكرية، الأمر الذي يدفعنا للاحتفاء بالذكرى السنوية للعلاقات التاريخية التي وثّقت رباط الصداقة بين الحكومة اليمنية والشعب اليمني مع الحكومة الروسية والشعب الروسي.

تأتي هذه المناسبة في الوقت الذي لا تزال فيه الحكومة الروسية تقدم الدعم الكامل على لسان مسؤوليها للحكومة الشرعية اليمنية باعتبارها الممثل الرسمي للشعب اليمني في مواجهة انقلاب ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران.

ومن جانبها، تعبِّر الحكومة اليمنية دائماً عن تقديرها للجهود الدبلوماسية الروسية من أجل وقف الحرب المشتعلة في اليمن منذ مطلع العام 2015، وذلك من خلال مواقفها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، والتي تؤكد فيها على أهمية تحقيق سلام مستدام بين الفرقاء اليمنيين وفقاً للمرجعيات الأساسية الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة وخاصة القرار رقم 2216.

في نفس الوقت تعمل الحكومة الروسية على تقديم المساعدات الإنسانية لليمنيين المتضررين جراء الحرب التي يشنها الحوثيون الانقلابيون وأدَّت إلى انهيار الوضع الإقتصادي في البلاد ونزوح وتشريد آلاف المدنيين.

ويُعتبَر هذا الموقف امتداداً أصيلاً للدعم المقدَّم من الأصدقاء الروس المتمثل بآلاف المنح للطلاب اليمنيين الذين يتخرجون سنوياً من الكليات والمعاهد الروسية بشقيها المدني والعسكري، إذ بلغ عددهم، بحسب وثائق جامعية روسية، حوالي 50 ألف خبير يمني من ذوي التعليم العالي في مختلف الاختصاصات منذ بدء علاقات التبادل الثقافي والدراسي بين الجانبين. وتقول آخر إحصائية أن قرابة 300 طالب يمني يدرسون حالياً في المعاهد العالية الروسية.

تاريخياً، كانت اليمن أول بلد عربي يقيم علاقات سياسية مع الاتحاد السوفيتي سابقاً. وبحسب كتاب "تاريخ اليمن المعاصر"، وهو من تأليف مجموعة من الباحثين الروس، فإن أول اتصال رسمي بين اليمن وروسيا حدث عندما وجه أمير الحديدة، عام 1927، طلبا رسميا إلى الممثل السوفيتي في مدينة جدة، "يرجوه فيها إقامة علاقات دبلوماسية تجارية بين الدولتين".

بحلول سنة 1928، وصلتْ إلى ميناء الحديدة أول سفينة سوفيتية على متنها الكيروسين والصابون والسكر والكبريت، وسواها من السلع. وقد جاء في رسالة الإمام يحيى الموجَّهة إلى القوميسار الشعبي لخارجية الاتحاد السوفيتي جـ.ف. تشيرن، التأكيد على أن السلع السوفيتية "تحظى بطلب كبير في بلادنا".

ثم بدأت علاقة الإمام يحيى بالسوفييت تأخذ منحى أعمق. في ذلك العام انطلقت مفاوضات التعاون، بين "المملكة المتوكلية اليمنية" من جهة والاتحاد السوفيتي من جهة أخرى، وقد أسفرت تلك المفاوضات عن التوقيع في صنعاء على أول اتفاقية صداقة وتجارة بين البلدين في 1 نوفمبر 1928.

وإذا كانت أول اتفاقية بين البلدين في 1928، فإن العلاقات الدبلوماسية بينهما بدأت في عام 1955، وفي عام 1956 تم تعيين عبدالرحمن أبوطالب أول وزير مفوض غير مقيم لليمن في موسكو، وفي المقابل افتتح الاتحاد السوفييتي مفوضية له في تعز في ذات العام.

ثم أخذت العلاقات تنمو في خط متصاعد من الاحترام المتبادل والشراكة الفاعلة على كافة المستويات التجارية والاقتصادية والدبلوماسية، وصولاً إلى مجال التعاون العسكري الذي دخل حيز التنفيذ لأول مرة خلال زيارة البدر أحمد حميد الدين إلى موسكو وتم الاتفاق على صفقة من الأسلحة الروسية التي تحظى بالأفضلية لدى مختلف الحكومات اليمنية.

ويستعيد الوطنيون اليمنيون بإكبار وامتنان اعتراف الأصدقاء الروس المبكِّر بثورة 26 سبتمبر المجيدة 1962، التي أعلنت قيام النظام الجمهوري في صنعاء، وطوت صفحة الحكم الإمامي الكهنوتي الرجعي. فقد أعلن الاتحاد السوفيتي اعترافه بالنظام الجمهوري اليمني في الأول من أكتوبر، أي بعد 6 أيام فقط من تفجير الثورة.

ثم سارعت موسكو إلى مساندة الثورة السبتمبرية مدفوعة بروح تحررية نضالية، حيث جرى في نفس العام افتتاح السفارة الروسية في صنعاء وتولى السيد سول ليبتسكي القيام بالأعمال.

وفي 21 مارس 1964 قام المشير عبدالله السلال، أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية، بزيارة إلى موسكو جرى خلالها التوقيع على معاهدة الصداقة بين البلدين، كما تم في الزيارة عقد اتفاقيات اقتصادية وأخرى عسكرية بين البلدين.

وعلى الفور، تبنى الأصدقاء الروس تمويل وإنجاز مشروع مطار صنعاء (الرحبة) الدولي 1963، وتمويل وبناء مصنع الاسمنت في باجل عام 1972، وفي 1978تم بناء رصيف السفن بالحديدة بعد أن تم بناء ميناء الحديدة عام 1961 بتمويل سوفييتي.

وفي جنوبي اليمن، بادر الاتحاد السوفيتي -حينذاك -إلى دعم ومناصرة ثورة 14 أكتوبر 1963، التي تفجّرت ضد الاستعمار البريطاني لمدينة عدن ومحافظات جنوب الوطن.

وبعد أربعة أيام فقط من إجلاء آخر جندي بريطاني، في 30 نوفمبر 1967، أعلن الاتحاد السوفييتي اعترافه باستقلال الجنوب اليمني، وعقب ذلك جرى افتتاح البعثات الدبلوماسية في عدن وموسكو على مستوى السفراء.

في عام 1969، بدأ التعاون الروسي مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وبمعونة الاتحاد السوفيتي تم إنجاز عدد كبير من المنشآت الصناعية والاجتماعية في البلاد. وبلغت حصة الاتحاد السوفيتي من القروض الأجنبية التي حصل عليها اليمن الجنوبي لأغراض التنمية الاقتصادية ما يربو على 50%.

وحققت العلاقات بين البلدين نقلة نوعية جديدة بالإستناد إلى بنية قانونية واسعة ممثلة بمعاهدتي الصداقة والتعاون مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1979، والجمهورية العربية اليمنية عام 1984، وغيرهما من الوثائق الثنائية، وذلك قبل أن يؤيد الاتحاد السوفيتي بفاعلية اتحاد النظامين اليمنيين الطوعي في 22 مايو 1990.

وقد أكد الإتحاد السوفيتي سريان مفعول كلتا المعاهدتين المشار إليهما وجميع الاتفاقيات المعقودة بين الطرفين.

وفي 30 ديسمبر/كانون الأول عام 1991، أعلنت الجمهورية اليمنية رسمياً اعترافها بروسيا الاتحادية بوصفها الوريثة الشرعية للاتحاد السوفيتي السابق، ويتضمن ذلك اعتراف اليمن بجميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية السارية المفعول.

جرى ذلك أثناء الزيارة الرسمية للرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح إلى موسكو، حيث وقع الجانبان حينها على إعلان مبادئ علاقات الصداقة والتعاون بين روسيا واليمن، واتفاقية التعاون بين الحكومتين في مجال العلوم والثقافة والتعليم والرياضة والسياحة، والاتفاقية بين الحكومتين حول تشجيع الاستثمارات وحمايتها بصورة متبادلة.

في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1997، وباجتماع نادي باريس لبحث إعادة جدولة الديون الخارجية لليمن، وقِّعَتْ وثيقة حول اطفاء الديون اليمنية إلى روسيا الاتحادية وفق شروط تسهيلية بالنسبة إلى صنعاء.

وبموجب الاتفاقية الحكومية الروسية اليمنية الموقعة بموسكو في ديسمبر /كانون الأول عام 1999 تم شطب نسبة حوالي 80% من ديون اليمن البالغة 6.4 مليار دولار، وفق تقارير رسمية.

وفي عام 2005، وقع يفغيني بريماكوف رئيس الغرفة التجارية والصناعية الروسية، أثناء زيارته الى صنعاء اتفاقيتين حول التعاون بين الغرف التجارية والصناعية في البلدين، وحول تأسيس مجلس الأعمال الروسي اليمني.

وكانت زيارة رئيس الجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي إلى موسكو في 2 ابريل 2013، ولقاءه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واحدة من المحطات المهمة في العلاقات بين البلدين والتي أثمرت تعاوناً كبيراً على أكثر من صعيد.

وفي اللقاء، تعهد الرئيس بوتين بتقديم مساعدات متعددة الجوانب لليمن الذي قال إن علاقات صداقة طويلة الأمد تربطه مع روسيا. من جانبه أشاد الرئيس هادي بالدور المميز الذي لعبته روسيا في حياة اليمن المعاصرة.

وقال الرئيس الروسي إن الطرفين يسعيان إلى تعزيز التعاون في الاتجاهات ذات الاهتمام المشترك، مضيفاً أن المقصود بالدرجة الأولى التعاون في المجال العسكري والتقني.

وبحث الجانبان تطوير العمل في جمعية الصداقة اليمنية الروسية وفقاً لتوجهات القيادتين السياسيتين في البلدين، بالإضافة إلى إنشاء فصول دراسية لإقامة دورات تعليم للغة الروسية بالتنسيق بين الجانبين، لكن الحرب التي اشعلتها الميليشيا الانقلابية حالت دون أن يجري ذلك وفق التطلعات المرسومة. وما يزال مقر الجمعية الكائن في شارع القصر وسط العاصمة صنعاء يمارس فعالياته، وتنظيم دورات لتعليم اللغة الروسية لليمنيين.

وتذكر الوثائق الملحقة بالمحادثات بين بوتين وهادي خلال الزيارة الوحيدة في 2013، أن التبادل التجاري بين البلدين في عام 2012 بلغ 234.1 مليون دولار، مسجلا ارتفاعا بلغ 43% بالمقارنة بعام 2011.

وبلغت قيمة الصادرات الروسية الى اليمن 233.8 مليون دولار. وجاء في الوثائق أن الجانبين الروسي واليمني يدرسان آفاق مشاركة الشركات الروسية في تنفيذ مشاريع كبرى في مجال توليد الطاقة الكهربائية وقطاع النفط والبنية التحتية والصناعة في اليمن.

وتجدر الإشارة إلى أن الجيش اليمني في العهد الجمهوري يعتمد في تسليحه غالبا على المعدات والأسلحة الروسية، وقد زودت روسيا اليمن بالمقاتلات المتطورة ميغ 29 والمروحيات (مي 17) والعربات القتالية للمشاة(BMB2) وغير ذلك.