بعد عشرين عاما من الوجود الأمريكي في أفغانستان ظهر الرئيس الأمريكي بايدن مدافعا عن قرار بلاده في التخلي عن الحكومة الأفغانية ، مبررا ذلك بالقول : إن المصلحة القومية لبلاده في أفغانستان تتمحور بشكل أساسي حول استهداف الولايات المتحدة بهجمات إرهابية إنطلاقا من أفغانستان ولم تكن يوما لبناء دولة.
وهذا تقريبا ما تسعى إليه السعودية في اليمن ، هو منع الهجمات الحوثية على أراضي المملكة وليس إستعادة الدولة ، بظهور خالد بن سلمان في العاصمة العمانية مسقط قبل اسبوع ، معلنا اتفاق بين بلاده ومليشيا الحوثي ، أعاد إلى الأذهان الاتفاق الأمريكي مع حركة طالبان بعيدا عن الحكومة الأفغانية.
حذرت منذ وقت طويل من عدم ترك مليشيا الحوثي تخوض لعبة الانتظار لأنها تراهن على الوقت ، وعلى كراهية النظام السعودي للنظام الجمهوري ، إضافة إلى وجود تيار واسع من الهاشميين السعوديين حول محمد بن سلمان ، فالحوثيون ليسوا أفرادا خارقين ، سواء في جبهات القتال أو على طاولة المفاوضات ، لكنهم يدركون أن النظام الملكي السعودي سيكون الأقرب إليهم ، إذا ضمن عدم تعرضهم لضرب الأهداف السعودية.
وفي حقيقة الأمر ، إن السعودية لم تتخل عن حلفائها في اليمن فحسب ، بل تخلت عنهم في العراق وسوريا وليبيا ولبنان ، وليس أدل على ذلك من تخليها عن تيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري وإعلانه تجميد عمله السياسي مخليا الساحة لحزب الله التابع لإيران ، لتصدق إيران في دعم حلفائها وتختم السعودية على مواقفها بختم السمعة السيئة.
أضحى الحديث السعودي عن ردع إيران والمليشيات العميلة لها حديث فارغ ، بل ومثير للسخرية ، فإيران والمليشيات العميلة لها تعزز مواقعها وتصول وتجول في لبنان والعراق وسوريا واليمن ، فكيف لليمنيين أن يصدقوا مثل هذه المزاعم ، والسعودية تغدر بحلفائها وتتخلى عن كل إلتزاماتها وتظهر نوايا عدائية تجاه الشرعية اليمنية وتحاور مليشيا الحوثيين بعيدا عن الحكومة الشرعية.
كنت قد تحدثت مرارا بأن السعودية لا تسعى إلى استعادة الدولة في اليمن ولن تسمح بذلك ، فهي لم تسمح ببناء قوات عسكرية ولا أمنية ، لكي تتولى مهمة القتال والدفاع عن اليمن ، وكل ما تسمح به هو بناء مليشيات إضافية وتكليف أشخاص تابعين لها ببناء ألوية عسكرية وهمية على حساب الألوية الحقيقية.
يبقى السؤال الملح : لماذا تريد السعودية دائما حلفاء من ورق ؟ ولماذا تقود نفسها من هزيمة إلى أخرى مكررة نفس الأخطاء ؟ ولماذا تعرض مصداقيتها دائما للريبة والشك ؟ وهل تدرك أن هذا التاريخ المخزي من الغدر بالحلفاء ، سيشجع أعداء المملكة على ارتكاب المزيد من التهديد ضدها؟.
أخيرا أختم بالقول محذرا الجيش الوطني والمقاومة في مأرب من الوقوع في شراك خديعة الهدنة ، فمأرب مستهدفة بالتصفية ، لتصفية مابقي من الشرعية الواحدة وإضفاء الشرعية على قوى متعددة يتوزع بينها دم اليمن وتتخلى السعودية والإمارات عن واجبهما في إعادة ما دمرته الحرب التي أفضت إلى تقوية أتباع إيران في اليمن وإضعاف شرعية اليمنيين ومؤسسات الدولة.