ظلت قضية ارتباط الكاتب او الأديب بجمهوره أو بقرائه أشكالية طالما شغلت الكثير ممن يهمهم الأمر ، وما ذلك إلا كونها جوهر العملية التفاعلية برمتها ، ومن هنا كان لزاماً أن تخضع القضية بين وقت لأخر للحديث والنقاش المستفيض تأصيلاً وتجديداً وتقويما.
ثمة أمور تجعل الجسر بين الكاتب وقرائه مكتملاً ، ولعل أهمها اللغة التي يغلّف بها الأديب إبداعه ، واللغة التي أشير إليها هنا لا تقتصر على المعنى التقليدي المستهلك والذي تبدو فيه أحرفاً ومفردات ، إنما أريد بها المنظومة المتكاملة من الأحرف والمفردات والموضوعات والانفعالات ، وقبل هذا وذاك الروح التي يبثها الكاتب في ثنايا لغته ، فيحس القارئ أن روحاً طيبة تسكن النصوص ، والارواح تشتاق لبعضها بالتأكيد.
ومع هذا وذاك فلابد من إعطاء مسالة اللغة بمعناها التقليدي كأحرف ومفردات حيزاً من إهتمام الكاتب ، فلا افراط ولاتفريط بل مخاطبة القارئ بما يفهمه ، مع الأخذ بيده ليطوّر من لغته ومفرادته ، فيصبح جسر التواصل بين الطرفين أشد متانة وأكثر نفعاً.
كما إن تواجد الكاتب في تفاصيل الحياة اليومية للقراء ومشاركتهم إياها يجعل من تناولاته تلامس جوانب هذه الحياة ، وبالتالي تجد حروفه طريقاً معبّداً إلى شغاف قلوبهم ، وهذا لعمري جسرٌ مكين من سلكه نجا من أفة "الغربة" التي فيها يبدو الكاتب من كوكبٍ مغايرٍ تفصله سنوات ضوئية ليصل إلى القارئ.
ومع تعدد وسائل التواصل بين المجتمعات والأفراد وتطور وسائل المعرفة برز تحدٍ من نوع جديد بات فيه لزاماً أن يكون الكاتب قادراً على مجاراة هذا التطور والتعدد في التواصل والمعرفة ، والإستفادة منه لبناء جسور تربطه بقرائه ، بعيداً عن حبس الذات في الطرق التقليدية العتيقة ، والسير نحو استخدام كل جديد والترحيب بكل ما يستجد في عالمٍ لا تكاد تمر فيه يوم إلا وتطرأ فيه تغيرات تسهّل بناء جسور التواصل بين البشر إجمالاً.
وحتى يكون جسر التواصل متيناً يحتاج الكاتب إلى قدرة على رصد تفاعلات القراء حول ما يطرح من أفكار ونصوص ، وهي "تغذية راجعة" تسهّل على الكاتب استقراء الواقع أكثر ، ثم الارتباط به ، وردم الهوة التي يمكن أن تحصل نتيجة إهمال هذه المهمة ، فمن يكتب ويرمي حروفه وأفكاره وهو منعزل عن رصد تفاعلات قرائه لايأمن أنه يحرث في بحر ويؤسس بيتاً على شفا جُرفٍ هار.
دمتم سالمين .