الهجوم على الفكر الإسلامي ورموزه إن أتانا من الغرب، سواءً كان من بعض المستشرقين، أو من بعض الصحفيين، أو مما سواهما، فهو أمر معتاد، لأن الدين لم يسلَم من السهام التي توجَّه إليه منذ أن سطع نوره على الأرض. ولكن الهجوم عليه من منابع ديارنا، وعبر أثير إعلامِنا، ومن المحسوبين علينا، هو أمر مُستنكر و مستقبَح. فلم يسلم الدين طيلة وجوده من الهجوم حتى وصل إلى موطنه وبأيدي من كان من المفترض أن يذود عنه، فرأينا صنوف من التميع والتسطيح تنال منه، حتى وصل إلى حد التجرؤ على القرآن وليّ أعناق آياته، ولم يقتصر على ذلك بل أن أسانيد الحديث نالها من الحب جانب، مرة بالتشكيك فيه وفي مضامينه ومرة انكاره كليةً، وبالأخص أسانيد صحيح البخاري ومسلم التي أوغلوا في طعنها.
ويُعدّ التهكم على الدين أو الخوض فيه، أحد أساليب التكسب السهل من ضعاف الإيمان، نفوس خاوية ليس لها القدرة على العطاء فرأت أن الطعن في ثوابت الدين حصان طروادة من الممكن امتطاءهُ، ولا سيما أن أنه يأخذ حيزًا كبيرًا في حياة الناس، كونه أحد منابع الاستعلاء والحرية. ولا يخفى عليكم كلما زاد الجهل زاد الاستبداد، والتدليس في الدين والطعن فيه، هو زاد الفجرة و المفسدين الذين لا هَمّ لهم غير جمع المال.
والمال لا شك مغري لا تستطيع النفس مقاومته، وقد رأينا كيف أن أقلامًا قد تم استئجارها، كنا بالأمس نحترمها، بدأت الخوض في الدين من أجل ترقيع سياسة الطغاة وتلميعها ارضاء لبعض المرجفين. وتكّمُن خطورة هؤلاء عندما يتم كشفهم متأخرًا، وقد نفثوا سمومهم في عقول متابعيهم، مما يجعلهم يتقبلون منهم أي فكر مهما كان منحرفًا، فيَصِل الأمر لحد الدفاع عنهم وعن أفكارهم، وهذا موضوع خطير للغاية.
وللأسف قد امتلأت ساحات الإعلام منهم بكثافة، بعدما أصبحت أدواتها في متناول اليد، كمقاطع اليوتيوب والفيس بوك وغيرها من أدوات التواصل الاجتماعي. فشخص مثلًا يُدعى صابر مشهور بدأ الخوض في مواضيع ليست من اختصاصه، يُجرّح في صحيح البخاري ومسلم ويتطاول على رموز وعلماء اثروا المكتبة الدينية بعلومهم وقدموا خدمات جليلة، أصّلت مفهوم العقيدة والفقه، بينما أخذ يُلمّع بعتاولة الإجرام والقتل الذين نكلوا بالناس واعتدوا على العلماء أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي الذي امتدحه وقال عنه؛" لولا الحجاج لضاع القرآن"، فأي مهزلة هذه. فيأتي هذا الشخص لينضم إلى قافلة علي الكيالي، الذي يتحفنا دائمًا بخزعبلاتهِ التافهة متخذًا مبدأ "خالف تُعرف"، حتى أصبح كمن قِيل فيه "من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب"، وهناك الكثير من أمثال هؤلاء، لا يسع المقام لذكرهم.
وهذا الفكر للأسف بدأ يأخذ منحى خطير أطلق العنان لجهلاء آخرين من عوام الناس يتطاولون على ثوابت الدين، ونحن هنا لا نفتري على هذا المدعو صابر مشهور، فقد سقطت ورقة التوت عن عواره وظهر تماهيه وتوجهاته مع أدوات دويلة لا أحبذ ذكرها، لم يَسلم من أذاها أحد، فتجدهُ مثلًا يُشيد بآراء طه الدليمي الصديق الحميم ليوسف علاونة الذي اشتهر بقلة حياءه صاحب اللسان السليط، أحد أدوات هذه الدويلة الساقطة. تنهج نهج اليهود في اسلوبها تستخدم من هم محسوبين على الفكر لتغرر بالشباب وتزعزع ثوابت الدين في قلوبهم، كل ذلك خدمةً للعدو المتربص بنا. فقد رأينا كيف أنها دخلت في هيامٍ معه حتى وصل لحد السخرية والمهزلة، تُأمّل نفسها أن يكون لها عونًا في قادم أيامها السوداء.
فأين هذا المدعو صابر مشهور من هذه الدويلة وجرائمها، فلا نرى له أي انتقادٍ عنها وعن أدواتها، واتحداه أن يفعل ذلك. فهو الآن همّهُ المساهمة معها في مشروعها الشيطاني في تهيئة أرضية خصبة لبث الفتن متخذًا عداوة الشيعة ذريعة للطعن بثوابته وقد يكون ذلك مقابل منافع منها. وقد رأينا فداحة اسلوبه وفضائحه الجَمّة التي لا تحصى. يتحدث عن القرآن ويفسر بعض آياته وهو يُلحن في قراءته، فأي علم يؤخذ من هكذا جاهل.
وقد قيل في الأثر ؛"أن الرجال أربعة وذكر منهم رجلٌ لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم، فقال عنه أحمق فحث على اجتنابهُ"، وهذا أقل ما يُوصف به هذه المدلس وأمثاله من الجهلاء المتطاولين على الدين وعلومه وهم لا يفقهون فيه قيد أنملة. هذا غيثٌ من فيض وما خفي أعظم ومضحك للغاية.
فقد اعترف من قبل أنه جاهل ولا يعرف في علم الحديث ولا في الشريعة، وقد احترمناه في حينها لصراحته، ولكن يأتي بعد ذلك ويدعي بأنه عالم في الحديث وأن علماء الحديث غير موثوقٌ بهم، لأنهم لم يدرسوا الصحافة ولا علوم التحقيق الجنائي، ليخرج لنا هذا الجهبذ بمفهوم جديد من اختراعه. ولا نعلم ما تقدح به رأسه المهوس بالعظمة في قادم الأيام من كثرة تطبيل متابعيه له، وما جعلني أكتب هذا المقال حتى لا أكون كمن يُقال عنه "الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس"، وانبه عشيرتي الأقربون من ترهاته المفسدة، فاللهم إني قد بلغت والله نسأل أن يحفظنا من شرور أمثال هؤلاء.