أنفاقُ العزةِ

2024/02/17 الساعة 01:36 مساءً

دخل الفتيةُ الكهفَ فسطعت فيه أنوارُ الهدى، فحولت ظلامَهُ نورا، ووحشتَهُ سكينةً، وضيقَه سَعةً.

فتيةٌ أمنوا بربِهِم، فوقفوا بثباتٍ أمامَ مُلْكٍ جبري، ومنهجٍ فاسدٍ مُضِلٍ، ليقولوا كلمةَ الحقِ، فزادَهُم اللهُ هدى، وتولاهم بلطائفِهِ، مسخرا مخلوقاتِه لحفظِهِم. ليبعثوا بعد 309 أعوامٍ ليكونوا آيةً للناسِ نحو الطريقِ المستقيمِ.

اليوم دخلَ رجالٌ مؤمنون الأنفاقَ فنشرَ اللهُ لهم فيها رحمةً، وهيأ لهم مِرْفَقا، وأسبغَ عليهم لطفا وحفظا. رجالٌ ربطَ اللهُ على قلوبِهم، فقاموا بالدفاعِ عن الحقِ وأهلِهِ، وعن الدينِ ومقدساتِه، ولم تنحرفْ مواقفُهُم هبوطا، ولم ينجرفْ قولُهم شططا.

وحين اتخذَ حكامُ أمتِهم العربيةِ والإسلاميةِ لهم أربابا من دون اللهِ، وحكموا شعوبَهُم قهرا وجبرا، وزينوا لهم الخطابَ بهتانا وزورا، كان أبطالُ غزةَ هم مَنْ جَبَّرَ الكسرَ وسَدَّ الفراغَ. رجالٌ ثَبَّتَ اللهُ أقدامَهُم إذ نفروا، وسدَّدَ رميَهم إذ رَشَقُوا.. فهم يتقلبون يمينا وشمالا من نصرٍ إلى فتحٍ ومن فتحٍ إلى تمكينٍ. رجالٌ حين يَطَّلِعَ عليهم الصهاينةُ يولون منهم فرارا وترجفُ قلوبُهم رعبا.

رجالٌ لا يبالون كم لبثوا في الأنفاقِ، فربُهم أعلمُ بصدقِ مُنطَلَقِهم، ينبعثون بقذائفِهِم إلى قلبِ مدنِ القطاعِ، ينظرون بعينٍ ثاقبةٍ أيَّ قواتِ الصهاينةِ أزكى غنيمةً لينالوا رزقَهُم منها. رجالٌ يتمنى بنو صهيون أن يظهروا عليهم ليرجموهم ويستأصلوا جذورهم، ويشاركهم بقوةٍ ودعمٍ أتباعُهُم من عجمٍ وعربٍ.

ولكن أنَّى لهم هذا؟ أمام رجالٍ أيقنوا أنَّ العزةَ في المقاومةِ، وأن لا فلاحَ في الركونِ لمِلَّةِ الخيانة والتبعية، والدورانِ معهم في فَلَكِ الذِلَةِ. رجالٌ أعادوا للأمةِ اليقينَ بوعدِ اللهِ في غَلَبَةِ الفئةِ الصادقةِ القليلةِ على الفئاتِ الضالةِ الكثيرةِ.

 رجالٌ يهتمُ العَالَمُ بعددِهِم وعتادِهم وسعةِ أنفاقِهِم، وربُهم أعلمُ بهم، وما يعلمُ بعدَدِهم وخارِطَةِ سَيرِهِم إلا قليلٌ. رجالٌ هيأ لهم اللهُ الأسبابَ فأحسنوا الإِعْدَادَ، جمعوا زُبَرَ الحديدِ فصهروه نارا، وأفرغوا عليه قِطْرا ليكونَ قذائفَ تدكُ المدرعاتِ وصواريخَ تشقُ سماءَ إيلاتَ. وبعدَ ذلك يأتينا متخاذلٌ مُثَبِطٌ، ممددا على بَطنِهِ، يرتشفُ قهوتَهُ، ليقولَ ورطت حماسُ غزةَ وقتلت أهلَهَا!.

 أكملْ أيُّها المرجفُ قهوتَك وتحسَسْ ثنايا بطنِك، وتثائبْ وعُدْ لرقادِك.. ودعْ عنك انتقادَ رجالٍ اعتصموا بحبلِ الله، تآلفت قلوبُهم من أجلِهِ، ثَبَتُوا ولم يتنازعوا، فلم يفشلوا ولن تذهبَ رِيحُهُم. فطوبى لهم، وسلامٌ عليهم.