قد يكون مفهوم الهراء مادّة للتندّر، ولكن إذا عرّفناه على أنه تلاعب بالحقيقة، وإذا ما فهمنا أنه ظاهرة موجودة في حياتنا اليوم وتكاد تكون تعيق مستقبلنا، فإنه صار مسألة جدية وخطيرة، في خداع الناس والترويج لسموم ومشاريع تقسيم المقسم وتدمير ما تبقى من قيم وأخلاقيات ومفاهيم القضية الوطنية والمشروع الوطني الذي قدم الشعب من أجله التضحيات الجسام.
هراء اليوم أننا نختلف في الأفكار التي كانت تجمعنا، والقيم التي يستقيم عليها مشروعنا، وصرنا نتكتل على أسس جهوية ( مناطقية طائفية مذهبية عرقية).
ذهبنا لنمد أيدينا للرفاق، على أمل أن نجد بقايا روح وطنية، بقايا مثقفين بثقافة إنسانية أممية ، تحمل مشاريع الوحدة، وحدة الهدف والمصير.
والوحدة بمعناها القيمي، هي وحدة الأمة التي تتطلع للنهضة والرقي، وتنتصر للإنسان وكرامته والوطن وسيادته.
للأسف أننا لم نجد سوى بقايا أرواح مدمرة، دمرها نظام استبداد طاغ استطاع أن ينتزع منها تلك الروح السامية، ويفرغها من القيم وأخلاقيات تعلو بها الأمم ، وهي قيم الوحدة والشراكة، قيم الحرية والاستقلال، وحق السيادة الوطنية.
عندما تلتقي بنخبة مثقفة، وعلى طاولة من الشفافية، تجد ما يتوافق معك بالرأي باستحياء، ومجرد ما إن ينفض اللقاء ، وتبدأ الاستخبارات ترشد دفة التوافق، وهي استخبارات لا تقبل الأفكار النابعة من الروح الوطنية، التي قد تهدد مصالح القوى التي تدعمها، يبدأ بإرسال الشكوك والتفسيرات والتوصيفات، وتشعر أن هذه القوى ما هي إلا أساس الهراء الذي يعم واقعنا اليوم.
هراء تصنيف الناس لمجرد أعداء ، و اتهامهم اتهامات باطلة، وما أرخص تلك الاتهامات هي (اخونجة) حتى صار توصيفا سمجا، يقزم مطلقيه، ويجعلهم في الدرج الأسفل ، ويعطي للإخوان مكانة عالية، إذا كان كل من يطالبكم بالشراكة وفق المشتركات ويطالبكم بالانفتاح على الجميع، ويطالب بالحريات والمساواة والعدالة هو إخواني ، فإذا أنتم في الطرف الآخر.
وإذا كان توصيف عرب 48 توصيفا سياسيا للعرب أصحاب الأرض ، فأنتم في التوصيف الآخر اليهود المغتصبين، إنها توصيفات الهراء الذي يطلقها في واقع صار محتقن بالهراء، وصرنا في وضع لا يحسد عليه، والله المستعان.
*المقال خاص بالمهرية نت*