في نهاية ثمانينات القرن الماضي وفي المديريات الجنوبية من محافظة شبوة كانت حكاية المهندس الزراعي الذي قاده فكره إلى هندسة وعي المجتمع وزراعة القيم ، كانت البلاد حينها تدار بعقلية شمولية متكئة على إرث بوليسي لا يسمح بتجاوز خط الفكر الواحد ولو كان قادما من خلف البحار المحيطات ، لكن المهندس الزراعي صالح حليس كان له رأي مختلف كان يحمل روحا استثنائية وفكر خلاق ، خط لنفسه طريق هندسة وعي الناس وكان يرى أن المكان اﻷقرب لمخاطبة هذا الوعي هو من منبر المسجد ومحرابه كان يحمل ثقافة إسلامية واسعة وخطاب يتسلل إلى العقول بسلاسة ودماثة أخلاق ، كغيره من المصلحين تنقل بين القرى والمساجد يتعرف على الناس يخاطب عقولهم وأرواحهم ويهندس الوعي حتى بات الناس يتناقلون اسمه وينتظرون مواعيد دروسه وخواطره التي بدأ يجمع حوله من يشاركونه فيها نفس الهم والفكرة ويسير نحو هدفه الذي اصطدم بجدار النظام البوليسي الذي استشعر خطره وأوقفه ..
قد يعتقل الإنسان لكن روحه وفكره يبقى حرا طليقا ، من شبوة عاد إلى عدن بنفس الهم فلا حدود جغرافية ﻷهدافه وطموحه عاد يواصل طريقه بعد أن اتسعت مساحة الحرية التي وجد فيها البيئة المناسبة لمهنته ( هندسة الوعي ) مع شريك نضاله الشيخ الطاعن في السن محمد عبدالرب جابر بجسده النحيل الذي هده أذى السجن تشارك الرجلان مهمة قيادة الحزب الفتي ( التجمع اليمني للاصلاح) مع عدد كبير من رموز عدن وشبابها ،واصل دوره التوعوي والتربوي والفكري عبر كل الوسائل كان سلاحه الذي يتقنه الكلمة والحوار ومخاطبة العقل والروح ، عبر منبره كواحد من أشهر خطباء عدن كان صالح حليس يجهد نفسه في صناعة وعي الناس ، حتى حين أصبح الخطر وشيك ومدينة السلام تساق لمصير مظلم يراد أن تغيب فيه الكلمة وتكسر المصابيح أصر على مواصلة طريقه حتى جاءت رصاصة الغدر اﻵثمة ورفعته إلى مراتب الشهداء ..
خمس سنوات على رحيله ولاتزال البندقية التي خطفت روحه تتجول بحرية وتخطف المزيد من أرواح جلهم من رفاق صالح حليس من رموز عدن ومصلحيها في مسلسل دموي يهدف إلى إفراغ المدينة من كل صاحب رأي وموقف ، في الذكرى الخامسة لرحيل مهندس الوعي وشهيد الكلمة صالح حليس لا تزال روحه تسكن قسمات وجه عدن الغارق في الوجع واحزان ..
عليه وعلى كل الشهداء رحمات الله ورضوانه
#اغتيالات_عدن
#ذكرا_اغتيال_حليس8
#يسلم_البابكري