لم يكن حزب التجمع اليمني للإصلاح الا في صدارة المشهد السياسي اليمني مذ ولد عملاقا في سبتمبر 1990م،ذاك انه يعبر عن تيار سياسي واجتماعي عريض، متصل بنضال الحركة الوطنية اليمنية في التاريخ الحديث والمعاصر، امتدادا لمدرسة يمنية اصيلة في التجديد والاجتهاد والنضال الوطني، فهذا التيار العريض الذي يتكئ على ارث مدرسة الشوكاني والصنعاني والبيحاني في تجديد الفقه والفكر الإسلامي، هو أيضا قد ورث رصيد ونضال الاحرار اليمنيين في قضايا التحرر من الاستبداد وارث الامامة كما هو الحال مع مقاومة الاستعمار البريطاني في عدن والمحميات الغربية والشرقية.
كان هذا التيار الوطني حاضرا في المشهد السياسي -قبل تحقيق الوحدة اليمنية-على المستوى الرسمي والشعبي في دولة الشطر الشمالي من الوطن -عكس نظام الجنوب اليمني الذي كان يجرم تعدد الأحزاب وحرية الراي، متنكراً لتراث المجتمع وعقيدة الشعب -من خلال الحزب الحاكم والفعاليات النقابية والاتحادات النوعية والفئوية والجمعيات والمؤسسات المدنية الاهلية.
نظرا لان النظام السياسي الذي قام في صنعاء لم يكن على عداء مع التراث الإسلامي والمنطلقات الفكرية لدى قيادة حزب الاحرارالتي مهدت الطريق لثورة الدستورفي 1948م وارتداداتها او موجاتها المتواصلة حتى سبتمبر 1962م. فالعلماء والفقهاء والقضاة والمثقفين وحتى العسكر الذين تصدوا لمقاومة الاستبداد الامامي، كانوا يواجهون في المقام الاول عملية التزوير والتشويه للدين التي كانت وسيلة السلالة ومطيتها لحكم اليمن وإخضاع رقاب اليمنيين، في مجتمع محافظ.
هذا التيار الوطني الملتزم بتراث البلد وعقيدة شعبه، المعتز بمآثر اليمنيين على مر العصور، ومساهماتهم الكبيرة في الحضارة العربية الإسلامية. كان الطليعة المؤهلة لهزيمة الفكر السلالي والنظام السياسي الثيوقراطي المتخلف.
من خلال حمل لواء التنوير والوعي في المجتمع، تنزيه الدين وتنقيته من الخرافة وبث روح الاعتزاز بالوطن والتضحية من اجل رفعته وحرية شعبه.ظهر الإصلاح راشداً برشاد الفكرة، واسع الحضور باتساع اليمن، مناضلا فدائيا في كل مواقفه الواضحة والصريحة بالانحياز الى جانب اليمن وثورته وجمهوريته وعدالة دولته وكرامة وعزة ورفعة شعبه.
وخلال ثلاثة عقود من الحضور السياسي، قدم تجربته الرائدة في العمل السياسي في كل الميادين، من ميدان الوعي والتثقيف السياسي الى ميدان الانتخابات، والديمقراطية الى ميدان التحالفات السياسية الوطنية حماية للمكتسبات الوطنية وحماية للحقوق والحريات الأساسية، من ساحات ثورة التغيير السلمي الى منصة مؤتمر الحوار الوطني الشامل وصياغة وثيقة التوافق الوطني لرسم ملامح مستقبل اليمن وبناء مؤسسات جمهوريته الاتحادية الحديثة.
وحين حانت لحظة الفداء والتضحية من اجل الوطن لم يتأخر، بل كان رجاله في طليعة الشعب اليمني ومقاومته للانقلاب الحوثي ومخاطر عودة حكم السلالة.على اعتاب منتصف العقد الرابع من عمر حزب الإصلاح كتنظيم سياسي، هنا تقف شاخصة امام قيادة الحزب، تطلعات وآمال منتسبوه ومناصروه، تساؤلات واسئلة وانتقادات مخالفوه او منافسوه.
هواجس حلفاءه من القوى السياسية المناوئة للانقلاب الحوثي في تحالف دعم الحكومة الشرعية.
كل هذه الاستحقاقات تتراكم في ظل تطاول انعقاد المؤتمر العام للحزب، المنصة الطبيعية لتجديد القيادة وتطوير الأفكار ورسم السياسات وترتيب الأوليات وعقد التحالفات و...، وبالتالي على قيادة الإصلاح ان تجترح وسيلة ناجعة لتجاوز هذا التأخير وسد هذه الفجوة في مسار الحزب كتنظيم سياسي بهذا الاتساع من الحضور فالحزب ودوره في تحديد مستقبل اليمن لم يعد شأن كوادره وقياداته، بقدر ما هو شان عام يشغل كل الفاعلين في الحياة السياسية المحلية وحتى الإقليمية والدولية.
مابقي على الحزب إنجازه كثير، وفي ظروف استثنائية وغير اعتيادية، الرهان اليوم على قيادة الإصلاح في قبول هذا الرهان والتحدي، تحدي الانجاز كمعجزة، معجزة بحجم ما حققه الاحرار اليمنيين في ثورة الدستور واسقاط صنمية حكم الامام يحي، وما انجزه تنظيم الضباط عشية السادس والعشرين من سبتمبر، ما اجترحه اليمنيون من بطولات في حصار السبعين. لقد أحسن الإصلاح البداية في عشرية كسر الانقلاب ورفض عودة الحكم الامامي لليمن. لكن الأمور بخواتيمها.
ان بناء التوافق الوطني عملية معقدة في ظل انحسار ثقافة الدولة وترهل مؤسساتها، فمظلة الدولة توفر بيئة انسب لممارسة العمل السياسي ونشاط التنظيمات والأحزاب السياسية، ففي بيئة مواتية نجح مؤتمر الحوار الوطني الشامل بكتابة وثيقة التوافق الوطني التاريخية حول تحديد مستقبل وشكل الدولة اليمنية الحديثة، لان مؤسسات الدولة حارسة للدستور ومبادئ الثورة والجمهورية، لكن بقاء هذه التوافق الوطني واستمراره في ظل غياب هذه المظلة او انسحاب ظلها، يبقى منوطاً بثبات هذه المبادئ ورسوخها في وجدان الشعب وقواه السياسية والاجتماعية الحية، والإصلاح كحزب سياسي في طليعة هذه القوى التي يجب ان تبقى حادية لمسيرة الكفاح والنضال الوطني من اجل حماية الجمهورية وبناء دولة العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والشراكة الوطنية كما رسمتها وثيقة الحوار الوطني الشامل بتوافق اليمنيين.