صالح لحمدي:
هل أستثمر اللواء البحسني تموضعه سياسياً (بانضمامه) للمجلس الانتقالي الجنوبي؟ لمصلحة تمكين حضرموت في مجلس القيادة هذا السؤال الذي عاد مجدداً ويردده كثير من أتباعه او أنصاره في حضرموت. ومع فشل اللواء البحسني مؤخراً أن يكون ممثلاً لحضرموت ومصالحها في مجلس القيادة الرئاسي كيف تضاءل حضور الرجل حتى أصبح صوت وكيل محافظة حضرموت الشيخ عمرو بن حبريش أكثر تعبيراً عن حضرموت ومطالبها. بينما فشل اللواء البحسني أن يكون صدى لذلك الحضور المجتمعي والزخم المطلبي للحضارم. لماذا لم يكن ذلك الحراك الحضرمي خلفه وسند ظهرة في اجتماع مجلس القيادة الرئاسي الأخير.
كيف يكون اجتماع مجلس الرئاسة اجتماعاً عادياً وهو يناقش مطالب حضرموت، ويخرج ممثل حضرموت - المحافظة الأكبر والأكثر أهمية في اليمن - خالي الوفاض من ذلك الاجتماع يجر أذيال الخيبة والفشل.
تقرأ في الإجابة على كل تلك الأسئلة، ان الفشل لم يكن وليد اللحظة، بل إنه بدأ مع انضواء واجهة حضرموت وممثلها في المجلس الرئاسي تحت جناح تكتل جهوي لا يحظى بقبول لدى الحضارم بل إنه عزز شعورهم بالخيبة لأن من يفترض أنه يمثل واجهتهم في مؤسسة الرئاسة الجديدة قد خذل حضرموت وتطلعاتها لأن تحظى بتمثيل يليق بوزنها وتأثيرها الجيوسياسي في المعادلة السياسية اليمنية.
هذا الفراغ والاختلال أفرز تشكلاً جديداً على الساحة السياسية والاجتماعية في حضرموت، وتمكن الشيخ عمرو بن حبريش من التقاط اللحظة وحمل مطالب المجتمع وبذلك تمكن من محاصرة السلطة المحلية والمركزية بمطالب المجتمع الحضرمي.
الواجهة الحضرمية في قمة هرم السلطة بدت مهترئة وغير قادرة حتى على إسناد ذلك الزخم والتقاطه كفرصة لإعادة التموضع، وبالتالي فإن تلك المطالب لم تترجم إلى قرارات وتغيير سياسات في مجلس الرئاسة كما كان ينتظر الحضارم. حتى المناؤين لعمرو بن حبريش في هبته الأخيرة، قد أجمعوا أن التغيير قادم لامحالة وأن مطالب حلف قبائل حضرموت ومصداقية السلطة منها على المحك. وهو ما يجعل الجميع يصل إلى يقين أن ذهاب البحسني للانتقالي (نائبا لعيدروس الزبيدي زميله في مجلس الرئاسة) قد حرم الحضارم من تمثيل مستقل على مستوى اليمن.
منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في إبريل ٢٠٢٢ كان اللواء عيدروس الزبيدي يجد صعوبة بالغة في الحديث عن الجنوب كل الجنوب بوجود اللواء البحسني زميله في المجلس بالإضافة إلى كونه محافظا لأكبر محافظة وقائدا لفرقة من الجيش منتظمة ومنضبطة تحت قيادته. وكان اللواء البحسني بهذه المناصب الثلاثة إضافة إلى تأمين قيادة مؤتمر حضرموت الجامع وحلفها القبلي في يد الشيخ بن حبريش - شيخ قبيلة البحسني - قد سد على كل المكونات الاجتماعية وحتى الاحزاب الحديث عن تمثيل حضرموت بعيداً عنه أو حتى منازعته هذا التمثيل الرسمي والشعبي.
حتى على المستوى الدولي والإقليمي تقاطر السفراء ووزراء الخارجية وممثلو المنظمات الدولية للقاء البحسني حيثما كان في الرياض أو المكلا وعدن. كانت موارد حضرموت أيضاً في يد الرجل دون رقابة، وكان يركز قوته بيد ضباط مقربين في الجيش واجتماعياً عبر حلف حضرموت ومؤتمرها الجامع. وتراكمت لدى الرجل من القوة والإمكانات والعلاقات ما يفتقد إليه بقية أعضاء المجلس الرئاسي وحتى رئيس المجلس نفسه.
كانت البداية من لحظة قرار تجريد اللواء البحسني من منصب المحافظ، وقيادة المنطقة العسكرية الثانية معاً، وهما المنصبان اللذان يجمع بينهما وبين موقعه في مجلس القيادة الرئاسي.
هل كانت تلك الخطوة مقدمة لشعور البحسني بفقدان الحيلة والاتجاه للإرتماء في حضن الإنتقالي في محاولة لتعويض ما فقده من نقاط قوة، ونكاية في الرئيس العليمي الذي يحمله مسؤولية تجريده من إدارة محافظة حضرموت.
أن قرار إقالة البحسني من منصب المحافظ كانت قد التقت عليه إرادة (الزبيدي العليمي) أكبر المتضررين من هذا الوضع المتميز عنهما للبحسني، وبقية اعضاء المجلس.
يقول البحسني إن القرار مُرر ضمن اتفاق بتجريد بقية الأعضاء من كل مسؤولياتهم الأخرى تفرغاً لمجلس القيادة (طارق، العرادة، أبوزرعة، عيدروس). و توقف القطار عند تغيير البحسني او (تجريده).
هذا القرار مكن الرئيس العليمي من انتصار آخر في حضرموت، بتصعيد المقربين منه لتمثيل حضرموت عبر شخصيات مثل (أكرم العامري، سعيد الشماسي، بدر باسلمه، عمرو العمودي) بالإضافة لمحافظ المحافظة مبخوت بن ماضي. وأصبح هؤلاء في واجهة تمثيل حضرموت بمكتب الرئيس، وتم تسويقهم للخارج وخاصة عند الأشقاء على هذا الأساس.
ومع تدهور صحة اللواء البحسني وارتخاء حباله الصوتية، تزايد حضورهم في المشهد الإعلامي، وجاء الدور - التهميش - على الشيخ عمرو بن حبريش وكيل أول المحافظة. لم يدر بخلد البحسني ان تفاهمات (طارق عيدروس) في ابوظبي كانت على حسابه، رغم أن انحياز انتقالي حضرموت مع المحافظ ضد الوكيل قد كانت مؤشرا على ذلك المسار الذي يطوي صفحة البحسني السياسية.
بهذا الوضع فإن الرئيس رشاد العليمي في وضع مريح جداً كون عيدروس يتكلم باسم كل الجنوب بما فيه حضرموت، ويمكن للصفقات هنا أن تكون أسهل مما إذا كانت مع عدة رؤوس بأجندات مختلفة. حتى طارق صالح وجد في التفاهم مع عيدروس لحماية القيادات الأقرب إليه في حضرموت وترتيب وضعهم أقل كلفة. لماذا؟ لان التفاهم مع عيدروس سيكون على ملفات عدة يمكن التنازل هنا والمكسب هناك. ومصالح حضرموت أحد الملفات المتعددة المطروحة للمساومة على مكتب عيدروس. لكن حضرموت هي الملف الوحيد على مكتب البحسني، وليس لديه ما يخسره غيرها.
قادم الأيام ستكشف مدى فداحة الأخطاء القاتلة التي ارتكبها اللواء البحسني بحق حضرموت وحق نفسه أيضاً عندما فرط في القوة وانكشف سياسيا في مجلس القيادة.
ويمكن للجميع أن يدرك أن حضرموت لن تهدأ ولن يتوقف غليان المجتمع الحضرمي مالم يجد من يحمل مطالبه ويمضي بها لتترجم في قرارات نافذة تلبي احتياجاته العاجلة والملحة. وعلى المدى البعيد وفي الشق السياسي فإن حضرموت ككتلة ديموغرافية وسياسية وازنة ظلت طوال العقود الماضية وربما قرون من الزمن غير قابلة للإبتلاع أو الذوبان في الكتل التي تسعى لتحويلها إلى نقطة للمساومة والإستغلال، وقد أفصحت منذ سنوات، وعبر كثير من قياداتها المجتمعية والسياسية، أنها لن تقبل إلا بتمثيل كامل يليق بحجمها في أي تسوية سياسية يحفظ لها وضعاً مكافئاً في المعادلة السياسية.