د.غزوان طربوش
منذ تولي الدكتور أحمد عوض بن مبارك منصب رئيس الوزراء في اليمن في فبراير 2024، برزت تحديات سياسية واقتصادية كبرى أثرت بشكل عميق على الوضع الداخلي للبلاد. يُظهر الواقع أن الأداء الحكومي قد واجه انتقادات واسعة النطاق من قِبَل المواطنين والمراقبين، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمات المتفاقمة.
شهد الريال اليمني تراجعًا حادًا أمام العملات الأجنبية، حيث تجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي 2000 ريال في العديد من المناطق. هذا الانخفاض غير المسبوق أدى إلى ارتفاع هائل في أسعار السلع والخدمات، مما أثقل كاهل المواطنين وزاد من معدلات الفقر والجوع في البلاد. ورغم هذه الأزمة الاقتصادية، لم تقم الحكومة الحالية بإجراءات جادة أو سياسات فعّالة للتخفيف من المعاناة أو للحد من التدهور الاقتصادي، مما أثار استياء شعبي واسع النطاق.
أحد الانتقادات الرئيسية التي وُجّهت للحكومة الحالية هو تراجع دورها وحضورها في المشهد الوطني. لم يجد المواطنون أي جديد في حكومة الدكتور بن مبارك، على الرغم من تطلعهم إلى إحداث نقلة في العمل الإداري والخدمي. كانوا يأملون أن يحمل هذا التغيير الحكومي تحسنًا ملموسًا في الأداء، إلا أنهم وجدوا على العكس من ذلك ضعفًا وهشاشة وتراجعًا حتى عن الهامش البسيط من الأداء الذي كان قائمًا سابقًا، رغم ركاكته. غياب الخطط الواضحة لمواجهة التحديات القائمة، إلى جانب ضعف التواصل مع الشعب، جعل المواطنين يشعرون بأن الحكومة أصبحت غائبة عن مشاكلهم اليومية.
في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تشير التقارير إلى انشغال رئيس الوزراء بقضايا إدارية وشخصية، مثل حل خلافات داخل مكتبه، بدلاً من التركيز على القضايا الملحّة التي تؤثر على ملايين المواطنين. هذا الأمر زاد من الاستياء الشعبي وأعطى انطباعًا بأن الحكومة لا تملك رؤية استراتيجية للتعامل مع الوضع الراهن.
من أبرز الانتقادات التي وُجّهت للحكومة الحالية هو غياب أي توجه واضح لاستعادة الدولة من جماعة الحوثي. هذا الأمر أثار تساؤلات واسعة حول قدرة الحكومة ورئيسها على مواجهة التحديات الأمنية والسياسية، وعُدَّ دليلًا على ضعف الإرادة السياسية لدى القيادة الحالية.
منذ تولي الحكومة الحالية، لم تُجرَ أي تغييرات في المناصب الحكومية الهامة، سواء على مستوى الوزراء أو نواب الوزراء أو وكلاء الوزارات. هذا الجمود أثار انتقادات واسعة، حيث اعتُبر مؤشرًا على افتقار الحكومة للمرونة والإصلاح الداخلي اللازم للتعامل مع التحديات المتزايدة.
تعاني الحكومة الحالية من ضعف واضح في الأداء الدبلوماسي الخارجي، حيث لم يتم إحداث أي تغييرات في السلك الدبلوماسي منذ سنوات. على سبيل المثال، ما زال السفير عادل باحميد يشغل منصب سفير اليمن في ماليزيا منذ عام 2016، رغم أن المدة القانونية لأي سفير لا ينبغي أن تتجاوز أربع سنوات. هذا الوضع يُعدُّ مخالفة للقانون وتقصيرًا في تحديث الجهاز الدبلوماسي بما يتناسب مع التحديات الدولية الحالية. كما فشلت الحكومة في التعامل مع قضايا المواطنين اليمنيين في الخارج بشكل فعّال، مما أضاف مزيدًا من الإحباط لدى الجاليات اليمنية.
إلى جانب القضايا الاقتصادية، فإن التوترات السياسية بين الأطراف اليمنية المختلفة أثّرت بشكل كبير على قدرة الحكومة على العمل. الصراعات بين المجلس الرئاسي والمكونات الأخرى، إضافة إلى التحديات التي تواجهها الحكومة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، أضعفت قدرتها على فرض سياسات وطنية شاملة. وبدلاً من توحيد الجهود لمعالجة الأزمات، ظهرت الحكومة بموقف متردد وضعيف.
في ظل هذه الأزمات، تدهور الوضع الأمني بشكل ملحوظ في العديد من المناطق، مما فتح الباب أمام تدخلات خارجية أضعفت السيادة الوطنية. توسع النفوذ الإقليمي والدولي في اليمن أصبح ملموسًا بشكل كبير، حيث استغلت بعض الدول حالة الضعف الحكومي لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الداخلي.
عند مقارنة أداء الحكومة الحالية بالحكومات السابقة، نجد أن الحكومة السابقة بقيادة الدكتور معين عبدالملك، رغم الانتقادات التي وُجّهت لها، كانت تسعى إلى الحفاظ على حد أدنى من الثقة الشعبية من خلال التواصل المستمر ومحاولة اتخاذ قرارات تخدم المواطنين، ولو بشكل محدود. في المقابل، عجزت الحكومة الحالية عن تحقيق أي إنجاز يُذكر أو تقديم رؤية واضحة لمستقبل البلاد.
انعكس الأداء الحكومي الضعيف بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية. ارتفاع معدلات البطالة، تدهور الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والصحة، وزيادة الاعتماد على المساعدات الإنسانية جعلت الوضع لا يُطاق بالنسبة للكثير من الأسر اليمنية. كما أن عدم وجود مبادرات لتحسين البنية التحتية أو دعم القطاع الزراعي والصناعي فاقم من الأوضاع.
في ظل كل هذه التحديات، تصاعدت الأصوات التي تطالب بإقالة الحكومة الحالية وتعيين قيادة جديدة تتمتع بالكفاءة والقدرة على التعامل مع الأزمات. هناك دعوات متزايدة لتشكيل حكومة طوارئ أو حكومة إنقاذ وطني تكون قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة لإخراج البلاد من أزمتها.
إن اليمن يمر بمرحلة حرجة تتطلب قيادة حكومية استثنائية قادرة على مواجهة التحديات المتعددة. فاستعادة ثقة الشعب، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، والتصدي للتدخلات الخارجية هي أولويات لا تحتمل التأجيل. ومع استمرار تدهور الأوضاع، يبدو أن مستقبل البلاد يعتمد على وجود رؤية استراتيجية حقيقية تُنفذها قيادة قوية ومسؤولة.