تتصاعد الأحداث في مصر العزيزة لأن فيها ثورة تتجدد في وجه طغيان قديم قدم فرعونها، و هناك ثوار آلوا على أنفسهم أن لا يعودوا إلا بالوطن المخطوف و الكرامة المسلوبة و الحرية المصادرة، و لا يهمهم إذا ما واجهوا في سبيل ذلك القتل و القمع و الاعتقال و غيرها من أشكال الجرائم التي دأبت على ارتكابها أنظمة الاستبداد كلما رأت ما يهدد عروشها،
هب الشعب المصري لينتزع حقه من براثن العسكري و زبانيته، فكانت "رابعة" أجمل لوحة رسمت نضال شعب ضد جلاديه، و كانت "النهضة" أروع قصيدة تحكي انتفاضة أمة في وجه الطغاة المجرمين،
و حين هاجم الأوغاد الميادين بكل ما أوتوا من نذالة و بربرية تحولت مصر كلها ساحات احتجاج لا تتوقف و ميادين ثورة لا تهدأ،
و غدت رابعة أيقونة تتحرك في الأنحاء و الأرجاء، في قلب كل حر لها وقع، و على لسان كل مقاوم لها ذكر حسن،
خسيء عتاولة الإجرام بما اقترفوا من الاثم و ما ارتكبوا من المجازر، أما هي فصارت أغنية تعطر الحياة بلحن الحرية الذي لا يموت، و تزف أفواج الشهداء على بساط من نور لا يخبو،
أحرق التتار الجدد كل ما وجدوه أمامهم في "رابعة" دون تفريق بين مشفى و مسجد أو تمييز بين مصابين و جثامين، لكنها خرجت من بين الحرائق و الدخان كشاهد يأبى أن يكتم شهادته على "حرب إبادة"، خطط لها السفلة و أدارها اللصوص و القتلة و نفذها المرتزقة و المأجورون،
لم يشهد تاريخ مصر أن أريقت دماء أبنائها بهذا القدر الذي رآه القاصي و الداني، و لم يعرف شعبها حادثة تماثل ما حدث في رابعة في بشاعته، لكن ذلك لم يفت في عضد شعب قرر أن لا يركع ثانية أمام السجن و السجان، و لا أن يخضع مهما كانت قوة السيف و سطوة الجلاد،
بالغت عصبة الانقلاب الدموي في سفك الدماء الطاهرة، لكنها لم تبلغ ما أملته في إخضاع الأحرار الذين علموا العالم أن الحرية إن لم تنتزع من بين أنياب المستبدين فلن توهب بمظاهرة عابرة، و لن تستردها بيانات غادرة.
أطلق القتلة لكلابهم شارة البدء فكانت المجزرة تلو المجزرة و المذبحة بعد المذبحة، و تعاقبت أحقر الكائنات في اصطياد أنبل الأرواح، ثم جاء البغاة ليلقوا بالتهم جزافا على الضحايا، كانوا يجترون دعاباتهم المقززة و كأنهم في سيرك، أو كأنهم لا يتحدثون عن بشر، و ما ذلك إلا لأن الانحطاط فيهم بلغ منتهاه،
و مع كل ما يقوم به الانقلابيون من محاولات بائسة و يائسة للنيل من إرادة الشعب، فسوف تتحطم كل محاولاتهم الدموية و الدامية على صخرة صمود استثنائي، و سوف تنتصر مصر الثورة لثورتها على السحر و السحرة، و سوف ينكسر الظلم و البغي أمام ثوار يجودون على وطنهم بكل ما لديهم و يضحون لذلك بأغلى ما يملكون،
و للحــريـــة الحمــــــــراء بــابٌ بكل يـــدٍ مضرجـــــةٍ يدقُ