فوق سنام حصان المؤتمر يقف صالح متحدياً مساعي التطويح به من الحياة السياسية .
في الواقع يبدو الرجل كما لو أنه يمقت فكرة الذهاب وحيداً الى محرقة «العزل», ولذا يتشبث بسحب أكبر قدر ممكن من الحلفاء مكونات ـوشخوص إلى أتون المحرقة مع عدم إغفال رهانه القائم على احتمالية النجاح في تحصين نفسه امام موجة من الحصار الخانق يلفه بقسوة من العنق والخاصرة والرجلين !
طيلة عام من الثورة ظل صالح يتمسك بتلابيب السلطة وكان على استعداد لأن يدخل البلد في حروب كارثية لولا التقاء الاقدار وتوحد الإرادات الضاغطة لكسر شوكة عناده ,حين يسطو صالح على شيء ليس عليك أن تواجهه وحيداً ففي ذلك هلاك محتوم لك لأنك في النهاية تواجه الشيطان في صورته البشرية ؛بل عليك الذهاب باتجاه حشد اكبر قدر ممكن من الإرادات مع التركيز على استمالة اللون الاجنبي منها خصوصا ؛لأن غرور صالح ـ ومعه معظم من حكمونا كعرب ولا يزالون ـ خلق لقمع الإرادة المحلية ,أما الإرادة الاجنبية فلديها من الوسائل الضاغطة مايكفي لجعلهم مجرد فئران تتقمص الوداعة واللطف بعد انفراط عقد زمنهما وذهابه إلى غير رجعة !
يقاتل شرفاء المؤتمر الشعبي العام لتخليص حزبهم من براثن صالح وشلله الانتهازية ,فكرة النضال حين تأتي متأخرة تتحول إلى تراجيديا مؤسفة مسببة إرهاقاً وتعباً كبيرين لاصحابها ..كان بمقدور المؤتمر ـ مثلا ـ أن يلفظ صالح مع انحسار قوته إبان الحالة الثورية التي شهدتها البلاد قبل عامين، لكنه اّثر التأخر بدافع من الكسل وربما الخوف ,وهاهو يدفع ضريبة ذلك الآن جازماً أنه بحاجة لنضالات مضاعفة لكي ينجح في التحرر والانعتاق من ربقة الرجل .
لست هنا للقول بأن على المؤتمر التخلص من صالح كخطوة أولى لاستعادة ألقه السياسي ؛ فهذا الحزب الذي أدرك متأخراً لزوم التصالح مع المزاج الشعبي تلافياً لمزيد من السقوط يجزم الآن بانعدام الفارق بين بقاء صالح على رأس هرمه والتجسيد الفعلي لمفهوم العار السياسي لديه !
يمكنني القول بأنني على اطلاع بمجمل الهواجس التي تتجمع لتشكل كتلة من الاسئلة المزعجة في رؤوس شرفاء المؤتمر :
أي ثمن سندفع نظير إزاحة صالح ؟وكم سنحتاج من الوقت للقيام بهذه المهمة ؟
قد يبدو الانزلاق إلى معمعة تساؤلات من هذا النوع أمر غير مجد وعبثي بعدما صارت فكرة إزاحة صالح في طور الحتميات التاريخية والسياسية التي يتعين على حزب المؤتمر الشعبي العام التسليم بها قناعة قبل أن تكون حاجة ملحة لاستعادة الروح الوطنية والوهج السياسي لهذا الحزب العريق !
وبدورنا من المحتمل أن نمثل السند السياسي للمؤتمر في مسعاه لاستعادة ذاته ودوره عبر خلق حالة من التحشيد الضاغط في هذا الاتجاه عامدين إلى اثارة فكرة «العزل السياسي» كوسيلة يتوجب الأخذ بها على طرق إنقاذ المؤتمر والعملية السياسية على وجه العموم !