تعيد الأزمة المالية الدولية بوادر عودتها غير المحمودة، من خلال الصراع المحموم بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة، فالديمقراطيون لا يريدون التخلِّي عن سياسات الحماية الاجتماعية للفقراء وذوي الدخل المحدود، والمهاجرين غير المُشرعنين؛ ويعتبرون أن نظام الخدمات الصحية الجديد كفيل بإظهار رحابة النظام ومراهنته الاستراتيجية على الإنسان المُجرَّد، لا “إنسان ما بعد الإنسان”.. ذلك المُجيَّر على بطاقات الائتمان والحسابات البنكية. وبالمقابل يرى الجمهوريون، والمحافظون منهم على وجه التحديد أن الرأسمالية الأمريكية الظافرة ستفقد زخمها وقوتها إذا ما لجأت إلى هذه السياسات، وتبعاً لذلك.. يرفضون أي تخلٍ إجرائيٍ وقانوني عما عُرفت به الولايات المتحدة في رأسماليتها التاريخية المنغمسة في الحروب والمبادآت، ووضع الجميع في مربع صراع “دارويني” متوحش، والإيمان المطلق بأن هذه السياسة هي الكفيلة بتأكيد المركزية العالمية للولايات المتحدة، بل إن البعض يشطح في استيهاماته الأيديولوجية الدينية، مُقررين أن الله هو الذي منح الولايات المتحدة هذه المكانة، وأوكل لها هذا الدور.!
هذا النفر من عتاة الجمهوريين لا يرون إخفاقات الداخل والخارج الإمريكي في عقود المتاهات العسكرية والإنماء المالي المجرد، سوى إنه تأكيد على النجاح!، ويا له من نجاح.. فشل بادٍ للعيان في أفغانستان والعراق، وانتشار متصاعد للإرهاب في كل مكان، وحروب بالوكالة تنذر بأوخم العواقب، واقتصاد أمريكي يغرق في الديون، ونمو داخلي ينحسر بقدر الإصرار على سياسات العسكرة الكونية، واستحقاقات ترليونية باهظة الثمن في أربع أرجاء المعمورة، ووئام مفقود مع التنين الصيني والدب الروسي.