اليزابيث و عدن و السوفييت !

2013/06/07 الساعة 02:10 صباحاً

تحتفل الملكة اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا العظمى بالذكرى الستين لاستلام مهام الحكم في المملكة, و يحق لها ان تحتفل لأنها تمكنت من بناء وطن متعدد الأعراق و الديانات و جعلت القانون مظلة للجميع دون استثناء, خرجت من الحروب العالمية و تمكنت من معالجة أثار الإخفاقات, و قادت البلاد نحو صناديق الاقتراع و تخلت تدريجياًعن سلطاتها حتى أصبحت رمزاً وطنياً و فخراً لكل البريطانيين.

بريطانيا اليوم تعيش أزمات اقتصادية خانقة شأنها شان الكثير من الدول, لكن بريطانيا تحملت الديون من أجل مساعدة جميع اللاجئين من مختلف دول العالم و هي ساهمت و ما زالت تساهم في الحرب على الإرهاب الذي طال لندن, عندما تم تفجير محطات القطارات التي تعتبر الشريان الحي للعاصمة, و كان الضحايا من الأبرياء الموظفين و الطلبة, هذا هو الإرهاب الجبان الذي لا يعرف محاربة الرجال و يختار الأبرياء, و أتفق الجميع على أن الإرهاب لا دين له, لأن العنف ليس طبيعة بشرية بل حالات فردية تتحول أحياناً إلى جماعية و تأخذ طابع التنظيمات و تعتمد الأفكار الشيطانية.

إليزابيث اهتمت بالتعليم و الصحة و الأمن و من ثم جاءت المكونات الأخرى للمجتمع تلقائياً نظراً لتوفر كل شيء و رغبة الجميع في العمل و البناء و التغيير و التطوير, و لم يكن الاهتمام داخلي فقط بل اهتمت بالمستعمرات و قدمت لها الدعم و البناء و ساهمت في بناء مجتمعات متعلمة تحمل أفكاراً متطورة متحررة, و لم تكن عدن بعيدة عن التطوير.

بداية من ميناء عدن الذي كان مشهوراً في مختلف دول العالم, و مطار عدن الذي كان يشكل نقطة ربط بين الشرق و الغرب و هو الذي يتمتع بموقع استراتيجي, إضافة إلى الحياة العامة التي عرفت الفنادق و المسارح و الصحف و الطرقات و السيارات منذ بداية القرن الماضي بينما كانت كل دول الجوار عبارة عن صحراء قاحلة لا تعرف غير الخيمة و الجمل و رحلات القوافل.

عدن كانت مركزاً تجارياً لأفضل و أغلى الماركات التجارية العالمية و هذا يدل على المكانة التي كانت عليها المدينة قبل حوالي خمسين عاماً؛ كانت حلماً لكل الناس فهي مدينة النور (كان يطلق عليها نصف لندن) حيث الخدمات الأساسية الضرورية الماء و الكهرباء و الطرقات و المستشفيات و المدارس, و فرص العمل و الدخل المحترم, كانت الحياة الكريمة, تحت مظلة القانون حتى الاستقلال الذي كان في 30/11/1967م.

بدأ الثوار بتطبيق العكس فهي ثورة و لا بد أن يشعر بها كل الناس لذلك تم تغيير العمل بميناء عدن و تم تأميم حقوق الناس يعني سرقتهم بشكل وقح, قصم الظهر و أعاد البلاد إلى أيام الجاهلية, سُمح بالفوضى باسم الثورة, و (دعس) كل القوانين و بدأ يُكمم الأفواه و يغلق الصحف و يسرق الشركات الخاصة و يتخبط و يسقط يوماً بعد يوم حتى وصل إلى مراحل الصراع الداخلي و تصفية الحسابات بين الأجنحة المختلفة, تم تقسيم كل شيء إلى قبائل و مناطق و أحزاب و إرهاب الدولة, كل ذلك مقابل الإهمال للخدمات, و قتل أصحاب الخبرات و تغيير نمط الحياة إلى الاشتراكية العظمى, فأصبح لينين و ماركس و انجلز أخواننا من الرضاعة. بينما بقيت بريطانيا العدو الأول و الأخير للناس. الاشتراكية قدمت لعدن الكثير من الإنجازات و لعل أهمها معهد باذيب للاشتراكية العلمية.

كان الإتحاد السوفيتي يقدم لنا المساعدات العسكرية القديمة التي تم استخدامها في الحرب العالمية الثانية, و بعضها كان يأتي إلى ميناء عدن عبارة عن سيارات مطلية بألوان جديدة فقط, لكنها فعلياً غير صالحة للعمل؛ الإتحاد السوفيتي بقيادة أبناء البلد تمكن من استعمار عدن لكنه لم يقدم أي شيء يذكر بل أخذ الكثير.

اليوم تنقطع الكهرباء عن مدينة عدن لساعات طويلة جداً, و هذا بسبب إهمال حكام عدن منذ 1967م حتى مايو 1990م, الذين يريدون العودة مجدداً لتدمير ما تبقى, كل الحكومات لم تهتم بخطط استراتيجية تهدف إلى تقوية البنى التحتية للمدينة بل اهتمت بتدمير مدينة عدن و زرع الفتن و الطائفية و المناطقية بين الناس, و اليوم يقوم الشباب بحرق الإطارات و غلق الشوارع لأنهم ثوار ثوار, و هم مُغرر بهم و لا يعرفون أن إغلاق شارع يعني وفاة مريض من أبناء عدن يحتاج الذهاب للمستشفى, يعني وفاة طفل (عدني) جرّاء دخان الإطارات, يعني زيادة المعاناة و الألم, عدن تدفع فاتورة لا ناقة لها فيها و لا جمل.
- خاص بـ"الملعب"