لماذا الآن الدعوة لإسقاط محافظة حضرموت بالهبة المسلحة التي دعا لها مكون حلف قبائل حضرموت والتي حدد موعدها غداً الجمعة !!؟
لا أحبذ ربط ذلك بقرب نهاية مؤتمر الحوار الوطني لأنني لا أعول كثيراً على نتائجه ، إلا اذا أخذناها من باب درء المخاطر المترتبة على فشله.
مع ذلك يمكن القول أن العنتريات النزقة التي تتصاعد في حضرموت تأخذ الى حد ما هذا البعد وتتوسل استغلال قضية قتل بن حبريش للتصعيد باتجاه خروج “ القضية الحضرمية “ إلى الوجود عبر التصعيد العنصري ضد ابناء المحافظات الشمالية على وجه التحديد وغير الحضارمة عموماً ، والتماهي لتفيذ دعوات الحراك المتطرف في بيروت لحمل السلاح والاستيلاء على المحافظات.
لم يكن المناخ مهيأً في المحافظات الجنوبية لحمل السلاح وإلا لكان الجنوب قد انفصل في فترة ما من سنوات 2009 و2010 والأهم في 2011 الذي شهد مايشبه شللاً في الدولة ونفوذها بفعل الحالة الثورية آنذاك .
سبب ذلك يعود أساساً الى غياب الدعم الشعبي في المحافظات الجنوبية للخيارات التدميرية التي يصدح بها “ القائد الشجاع ! “ من بيروت ، وهو الذي توارى عن المواجهة في صيف حرب 94 ، بعد إعلانه الانفصال ، تاركاً العاصمة عدن “ للسيد “ عبد الرحمن الجفري.
هذا الرفض العميق للخيارات التدميرية الذي يتبناه اليمنيون في المحافظات الجنوبية عاملاً أساسياً يؤشر الى عدالة القضية الجنوبية من جهة كقضية تتعلق بالحقوق والمشاركة السياسية المصادرة في حرب 94 المشئومة. والمؤشر الثاني عدم ثقة الجنوبيين بالدعوات الدنكشوتية التي يطلقها النزقون المتطرفون لحمل السلاح ، وإدراك الناس العاديين لفداحة المضي مرة أخرى وراء المغامرين النزقين الذين ضيعوا الجنوب بصراعاتهم ، ويخطئون الان للمرة العاشرة بالقراءة الخاطئة لأولويات الجنوبيين ومطالبهم ومصالحهم.
تذكرني “ الهبة الحضرمية “ التي تستغل قضية بن حبريش رداء لها بالاستعدادات المشبوهة التي تحركت في الظلام قبيل استقلال الجنوب في الثلاثين من نوفمبر 1967 م. حينها تواصلت الخيوط المشبوهة مع الاستعمار وبعض دول الإقليم المعادية لليمن حينذاك لاستباق الاستقلال ولترتيب إعلان “ الدولة الحضرمية “ وإجهاض المشروع الوطني للجبهة القومية لتوحيد السلطنات وإعلان الدولة الموحدة في جنوب اليمن بهويتها اليمنية.
وقد ذكر أكثر من مؤرخ عاصر تلك الفترة قصة سفينة السلاح المشبوهة التي حدد موعد وصولها الى ميناء حضرموت لدعم القوى الانعزالية المتآمرة ضد المشروع الوطني لجنوب اليمن والساعية الى اعلان سلطنة حضرموت دولة مستقلة. وقد أجهض المشروع المشبوه بفعل يقضة الجبهة القومية التي تمكن فدائيوها من الاستيلاء على سفينة السلاح لحظة وصولها وفرض المشروع الوطني لتوحيد السلطنات في الطريق الى توحيد اليمن الذي تحقق لاحقاً بفعل نضال الحركة الوطنية اليمنية وعنوانها الأكبر الحزب الاشتراكي اليمني ، الذي يحاول المرتدون والمنتكسون الصغار تقزيمه وتحويله الى عنوان يتم العمل تحت إطاره ضداً على كل برنامجه ومشروعه الوطني التاريخي لكل اليمنيين.
ارتكب المغامرون المهووسون خطأين فادحين بحق القضية الجنوبية العادلة والآن يريدون أن يكرروا فعلتهم الشنعاء بخطأ مميت ثالث.
في الخطأ الأول أَولوا القضية الجنوبية من قضية حقوقية وإقصاء سياسي الى قضية هوية وشعب وأرض وذهبوا ليبحثوا في أدغال التاريخ الغابر للبحث عن هوية جنوبية تسند أوهامهم ضداً على حقائق الواقع والتاريخ والحضارة والمشروع الوطني الذي كانوا جزءاً منه وضمن الكيان السياسي الذي تميز بريادته وقيادته.
وفي الخطأ الثاني خرجوا من مخابئهم ومنافيهم لا لنصرة القضية الجنوبية والاستجابة لأولويات جماهيرها وأنصارها ولكن ليرهنوها ضمن قوى الصراع الإقليمي في طهران والرياض ويحولونها الى ورقة ضمن صراعات المخابرات والقوى الإقليمية مقابل ميزانيات مالية واحتضانات مخابراتية وليس توافقاً في المصالح بين القضية الجنوبية العادلة والقوى الإقليمية.
وفي الخطأ الثالث الذي سيكون قاتلاً يتطلع المغامرون وأتباعهم الى الزج بالجنوب في “ الكفاح المسلح “ ضد الشماليين وبقية الجنوبيين لاحقاً ، من أجل وهم الاستقلال الحضرمي !!
ألا بئس ما يفعلون ...