ضرورة نقل الحوار من «الطيرمانة» إلى الطابق الأرضي!‏

2014/01/20 الساعة 11:46 مساءً

إذا كان هناك ثمة مدرسة متكاملة في السياسة يمكن أن نلخصها في شخص واحد فلن يكون ‏برأيي سوى الرئيس الأسبق علي ناصر محمد. هذا السياسي اليمني هو الوحيد الذي يدهشني ‏بمنطقه وهدوئه وقدرته على النفاذ الى الواقع الواقع الذي فارقه منذ أزيد من عقدين ؛ وخرج ‏من دائرة نخبته الحاكمة قبل خروجه من البلد بعدة سنوات.‏

تحدث الرجل أكثر من مرة قبل مؤتمر الحوار ؛ غير أن أحداً ما لم يسمعه ، أو لم يكونوا ‏مؤهلين كلهم لإدراك مغزى تحذيراته وتحليلاته الواقعية العميقة.‏

واليوم يعود مرة أخرى للحديث ، لعل وعسى يستفيد منه المتعاطون بشكل مباشر مع الشأن ‏العام في اليمن من شماله الى جنوبه ؛ ومن نخبته السياسية الى أحزابه ومكوناته وتياراته.‏

‏" انتقلوا بالحوار من الطيرمانة الى الطابق الأرضي "‏
جملة معبرة وذكية قرأتها أمس في مقابلة صحفية للرئيس علي ناصر محمد ؛ الرجل غمز ؛ ‏وهو السياسي المحنك ؛ من حوار موفمبيك كيف أن مكوناته تتحاور في الفندق وتخوض ‏حروبا في صعده وأرحب والجوف. والحقيقة أن هذا الانفصام بين حوار الصالونات المكيفة ، ‏والواقع على الأرض لا يقتصر على هذا التناقض الفج بين لوحة الحوثيين والسلفيين في ‏موفمبيك ، وحروبهم واقتتالاتهم على أرض الواقع ، بل يشمل التناقض الكلي بين اللوحة ‏الصالونية المكيفة للحوار في موفمبيك ؛ والواقع المتفجر بالحروب والصراعات والاختلالات ‏الذي يمتد تلى كل الجغرافيا اليمنية.‏

‏" إذا لم تشبه مخرجات الحوار صلابة الأرض التي يُراد تطبيقها عليها وإذا لم تكن معبرة ‏عن هموم الناس وقضاياهم وملامسة للحلول الحقيقية لهم فلا يمكن أن تتصور تطبيقها إلا في ‏رؤوس من أخرجوها ". هكذا يتحدث الكبار مثل الرئيس علي ناصر محمد. وهكذا ينبغي أن ‏تمارس السياسة ويدار الحوار ؛ لا أن يصبحا ضداً على الواقع ومصالح الناس. وقد قيل كلام ‏كثير في ضرورة التهيئة على أرض الواقع على مستوى اليمن ككل ، وعلى مستوى الجنوب ‏بشكل خاص ؛ وبعضهم حدد خارطة التهيئة بعشرين نقطة ، وآخرون بإحدى عشر ؛ غير أن ‏المعنى واحد ؛ وهو أن أي قضية معقدة ومتراكمة الأخطاء كالقضية الجنوبية خصوصا ؛ ‏واليمنية عموماً ؛ تحتاج الى خارطة طريق تهيأ المزاج الشعبي للحلول النهائية النظرية في ‏شكل الدولة والدستور وغيرها من مفردات التوافق النهائي بين جميع المكونات.‏

وبتعبير الحكيم علي ناصر محمد فإن أي حلول لا تعبر عن الواقع وهموم الناس فإنها : "تعني ‏الفرض بالقوة وعندئذ سنكون أمام مشهد متكرر لكل السياسات التي طبقت من قبل وأوصلتنا ‏إلى هذه الحالة المأساوية, هذه الأساليب التي تصادر إرادة الشعب لا يمكن الحديث معها عن ‏ضمانات دولية لأن الضمانات المحلية والوطنية الفاقدة لشرعيتها والمنتهية صلاحيتها لا يمكن ‏إلا أن تضمن بقاءها ككروت في حروب متنقلة لا كأرقام في أرض مستقرة, ونأمل أن تعيد ‏مختلف المكونات والقوى حساباتها على أسس وثيقة الصلة بحاجات الناس ومتطلبات المرحلة ‏لا بحاجاتهم هم ومتطلبات الانتماءات الحزبية والدينية والجهوية. ".‏

فليس من المعقول أن يتم الفصل بين الحوار والواقع الذي يتم التحاور عنه ، وإلا أصبح ‏الحوار نوعاً من التنظير و" حل الكلمات المتقاطعة " الذي لا يأبه بالواقع الحي على الأرض ؛ ‏وكم قد أكتوى شعبنا في الشمال والجنوب بالتنظيرات والتوافقات النخبوية الفوقية التي لا ‏تنعكس على حياة الناس ومعيشتهم ولا تراعي مصالحهم قدر مراعاتها لمصالح النخب ‏السياسية وأولوياتها.‏

ومن هنا يرى علي ناصر محمد أن نجاح الرئيس عبد ربه منصور هادي يتحدد هنا بالضبط : ‏‏" ونعتقد أن قدرة الرئيس على تحقيق التغيير الذي ينعكس على الشعب لا على النخب هو من ‏سيحدد نجاحه من عدمه."‏

‏***‏
ماذا يقول الرئيس الحكيم المحنك علي ناصر عن رفيقه القديم علي سالم البيض ؛ وكيف يقيم ‏أداءه على القضية الجنوبية وآفاقها ؟؟
يقول علي ناصر " سبق ان تبنى الأخ علي سالم البيض قيادة مشروع الانفصال أو فك ‏الارتباط فهو مشروعه منذ حرب 1994 وفشل في حينه بالرغم من الدعم الإقليمي المعروف ‏ثم غاب عن المشهد السياسي ليعود حاملاً ذات المشروع بعد ثلاث سنوات من انطلاقة الحراك ‏الجنوبي !!!‏

‏" ويضيف معلقاً على دعوات الانحراف بالحراك الجنوبي نحو استخدام العنف قائلاً : " أما ‏الدعوة إلى الكفاح المسلح فنقولها للجميع بأننا لا نتفق معها جملة وتفصيلاً إلا في حالة الدفاع ‏عن النفس وسوف تكون قاصمة ظهر الحراك لو بات خياره الوحيد ومجدداً نقول: قوة الحراك ‏في وحدته ونضاله السلمي."‏

وهذا عين الصواب. فقوة الحراك الجنوبي في نضاله السلمي. أما علي سالم البيض فقد ‏استعجل حين كان مطلوباً منه التريث ، وهرب حين كان مطلوباً منه الصمود والقتال ، ‏وصمت حين كان مطلوباً منه الكلام ، وتحدث حين كان مطلوباً منه الصمت والتواري ليترك ‏الحراك الجنوبي ينجز أهدافه ، وتهور حين كان مطلوبا منه الاعتدال ، وتأقلم في طهران ‏وبيروت حين كان مطلوبا منه العودة الى الساحة الجنوبية لقيادتها وتوحيدها