اليمن بين مطرقة الحوثيين وسندان الانفصال

2013/06/24 الساعة 01:40 مساءً

هل يسير اليمن نحو المجهول أم أنه في طريق الانفراجة؟ سؤال يبدو منطقياً ووجيهاً مع بداية الجولة الثانية من جولات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي رسمته المبادرة الخليجية كجزء من الحل في اليمن.

لكن المتأمل في المشهد مع بداية الجولة الثانية يرى بوضوح تراجع القضايا الأساسية والانشغال بقضايا ثانوية، فبينما شهدت الجلسة الافتتاحية للجولة الثانية تصعيداً بشأن قضية القتيلين الخطيب وأمان - مع أن الحادثة جنائية ولا تستحق كل الذي حصل - فيما القضايا الأساسية مثل تخريب الكهرباء وتفجير أنابيب النفط وتغول الحوثيين وتمددهم عبر تشييعهم لما سموه بالشهيد حسين الحوثي مؤسس الجماعة الذي قتل في إحدى الحروب الست كخارج عن طاعة الدولة وخارق لإجماع الشعب يسمى شهيداً وترفع صوره في صنعاء، ويجري المال الإيراني القذر ليحشد الجموع من أبناء الشعب اليمني الباحثين عن لقمة العيش.

اختزلت قضية المظالم التي حلت بالجنوب بحادث جنائي يتكرر عشرات المرات يومياً في مختلف المدن اليمنية وسط صمت الدولة وعجزها عن ضبط الأمن، بينما هذه القضية لأن طرفها معروف بمواقفه التي لا تعجب الكثيرين يتم النيل منه بتضخيم القضية مع أنها ستحل وحلها لن يؤثر شيئاً في مسيرة بحث اليمن عن مخرج لأزماته.

تأتي الجولة الثانية من جولات مؤتمر الحوار العامة ولا حل يلوح في الأفق للقضايا الأساسية مثل القضية الجنوبية وقضية صعدة ووضع حد للانفلات الأمني والاغتيالات التي تطال كبار القادة العسكريين، والتوجه نحو ما يسمى دولة الحكم الرشيد. واسمحوا لي أن أبدو هذه المرة متشائماً - مع أني أحمد الله على نعمة التفاؤل التي أعيشها في ظروف ربما تكون أحلك من هذه - لكن التعامل هنا ليس مع الظرف الراهن إنما مع المستقبل الذي يبدو أشد قتامة.

تزداد بقايا قيادات الجنوب تخندقاً وراء مطلب الانفصال ويزداد الحوثيون إصراراً على فرض أنفسهم وفقاً لمعادلة حزب الله في الدولة اللبنانية، ومن باب ذر الرماد في العيون سموا أنفسهم أنصار الله، ونشهد لهذين التيارين تيار الانفصال وتيار الحوثيين أو كما يسمون في اليمن حوثة تقدماً، فيما تشهد بقية القوى في الساحة اليمنية تراجعاً وانحساراً.

وأتساءل هنا ببراءة هل يدرك الرعاة للمبادرة الخليجية خطورة بعض المنزلقات التي تمر بها اليمن مثل استغلال الحوثيين للحوار لينالوا الاعتراف بهم في الوقت الذي لم يدخلوا فيما دخل فيه الناس ولا يزالون يمارسون كل أعمالهم التخريبية بل والإجرامية من قتل واعتداء على مساجد السنة ويسعون إلى فرض رأيهم ونفوذهم على محافظات صعدة وحجة والجوف بينما لا أحد يقف إلى جانب المتضررين من أعمالهم في هذه المحافظات.

ان مسؤولية الرعاة للمبادرة الخليجية وفي مقدمة الجميع دول الخليج التي ما قصرت في حق اليمن وبالذات المملكة العربية السعودية التي لها من المواقف أكثر من أن تحصى، لكن المطلوب إدراك حساسية الأمن أو البعد الأمني في المسالة اليمنية لان أمن اليمن جزء من أمن الخليج، وأي ثغرة في هذا الجانب ستكون نتائجها سيئة إن لم نقل كارثية ليس على اليمن وحدها لكن على دول الجوار أولاً وعلى المصالح الدولية المرتبطة بالممرات المائية الحيوية مثل باب المندب، وأي تتغلغل لإيران لن يكون في مصلحة أحد.

المطلوب إذاً لكي يثبت الحوثيون حسن نواياهم وأنهم من الشعب لهم مظلمة فقط أن يسلموا أسلحتهم، فما المبرر أن يحتفظوا بهذا السلاح وإذا كان مبرر حزب الله في لبنان أن سلاحه هو سلاح مقاومة في وجه المحتل الإسرائيلي فما مبرر الحوثيين إذاً غير التخريب والإرهاب؟ وكان يفترض أن يكون هذا شرطاً أساسياً لدخولهم في منظومة الحوار.

أما دعاة الانفصال وأشدهم وقاحة علي سالم البيض الذي باع نفسه للشيطان المجوسي فأقل وصف لهم أنهم يسبحون عكس التيار، إذ إن العالم بمحيط اليمن الإقليمي وبمجلس الأمن الدولي يؤيد استمرار وحدة اليمن ودعمها مع حل أي مظالم لأبناء الجنوب، وهم يطالبون بالعودة إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت وبالاً وجحيماً على أبناء الجنوب، ولمن لا يعرفها أو يتذكرها نعيد إلى الأذهان أنها تلك الدولة الشيوعية التي جعلت من نفسها وكراً للتآمر ضد مصالح أمتها وضد أمن واستقرار جيرانها وفي مقدمتهم اليمن الشمالية سابقا» الجمهورية العربية اليمنية «وشردت مواطنيها في كل الدنيا بعد قتل وسحل كل العلماء والمشايخ والتجار بحجة تصفية البلاد من الكهنوت والإقطاع.

أناشد هنا رعاة المبادرة الخليجية بتجاوز الحياد الذي سيؤدي إلى أضرار جسيمة وتصويب مسار العملية داخل مؤتمر الحوار، والتعامل المباشر مع أولويات الشعب اليمني المتمثلة في الأمن والخدمات وإلا ستكون الانتكاسة التي تهدم كل ما تم بنيانه أو تخيلنا انه قد تم بناؤه، ولا اشك أن هذه الحسابات غير واردة وواضحة في أذهان الرعاة لكن المطلوب نوع من الحزم ودعم الرئيس عبد ربه منصور الذي لا أمل غير الرهان عليه في المرحلة الحالية مع استمرار عجز حكومة التوافق عن توفير اقل ما ينشده الناس منها.