دعا رئيس الحكومة الليبية علي زيدان، المواطنين إلى ضرورة الالتزام بالحراك السلمي، وعدم اللجوء إلى العنف، أو تدمير ممتلكات الدولة. وذلك ردّا على الاحتجاجات التي عمّت البلاد اعتراضا على التمديد للمؤتمر الوطني، في وقت خيمت فيه مخاوف من اندلاع موجة عنف جديدة.
قوبل قرار التمديد للمؤتمر الوطني العام، (البرلمان) في ليبيا، بموجة من الاحتجاجات الشعبية، وصلت ذروتها في الأيام القليلة الماضية مع خروج مظاهرات حاشدة في مختلف المدن الليبية للمطالبة بعدم التمديد للمؤتمر الذي كان من المقرر أن تنتهي ولايته الجمعة الماضي، في وقت خيمت فيه مخاوف من اندلاع موجة عنف جديدة.
وبالتوازي مع الاحتجاجات التي نظمها آلاف الليبيين، خصوصا في طرابلس وبنغازي، قدّم عدد من نواب المؤتمر الوطني العام استقالتهم تلبية لاحتجاجات نظمها آلاف الليبيين في طرابلس وبنغازي تطالب بحل البرلمان المؤقت وتشكيل حكومة أزمة لتسيير أوضاع البلاد.
وقال عدد من النشطاء المشاركين في هذا الحراك “نطالب بإسقاط المؤتمر الوطني وتشكيل حكومة أزمة لتسيير الأوضاع في البلاد وندعو إلى انتخابات برلمانية مبكرة تفرز مجلسا تشريعيا يقود البلاد بعد انتهاء فترة حكومة الأزمة”.
ويشعر كثير من الليبيين بأن المؤتمر الوطني العام لم يحرز تقدما في ظل حالة الاستقطاب بين تحالف القوى الوطنية القومي وحزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
وجاءت التظاهرات استجابة لدعوة وجهها حراك سياسي جديد يدعى “لا للتمديد”، في محاولة للضغط على المؤتمر الوطني للتراجع عن إقرار التمديد لنفسه لمدة عام.
وقد انتخب المؤتمر الوطني العام في يوليو 2012، وكان من المفترض أن تنتهي ولايته في السابع من فبراير 2013. لكنّ أعضاءه مددّوا ولايته إلى غاية شهر ديسمبر 2014 لإتاحة مزيد من الوقت للجنة خاصة لوضع مسودة الدستور الذي يعتبر خطوة أساسية في عملية الانتقال السياسي في ليبيا. وانتخب المؤتمر الوطني لتنفيذ “خارطة طريق” تشمل: تعيين رئيس وزراء، وانتخاب هيئة تأسيسية للدستور (لجنة صياغة الدستور)، وصياغة قانون الانتخابات وإجرائها، بحسب إعلان دستوري صدر في أغسطس 2011.
أدخل قرار المؤتمر التمديد لنفسه عاما آخر ليبيا في أزمة سياسية حادة فيما تعرقل المواجهات بين الإسلاميين والقوميين عملية التحول الديمقراطي في البلاد
وحدد الإعلان الدستوري فترة 18 شهرا لإنجاز هذه المهام تنتهي يوم 7 فبراير 2014، من دون أن يشير نصا إلى أن مدة عمل المؤتمر تنتهي بنفاد هذه الفترة، وهو ما يجعل البعض يعتبر أن انتهاء أعمال المؤتمر تنتهي بإتمام بنود خارطة الطريق.
لكن البرلمان الليبي، أقرّ نهاية شهر ديسمبر من العام الماضي، خارطة طريق جديدة، تضمّنت تمديد ولاية المؤتمر حتى 24 ديسمبر 2014، محددا تواريخ محددة لمهامه تضمنت: انتخاب الهيئة التأسيسية للدستور قبل نهاية فبراير الجاري، صياغة الدستور قبل يوليو المقبل، وأن يستفتي الليبيون على الدستور قبل أغسطس المقبل. ويصدر على إثرها قانون الانتخابات وتشكل مفوضية الانتخابات وتجرى الانتخابات البرلمانية قبل ديسمبر 2014 وينهي المؤتمر الوطني مهامه في 24 من نفس الشهر.
وأدخل قرار المؤتمر التمديد لنفسه عاما آخر ليبيا في أزمة سياسية حادة حيث يرى البعض انتهاء فترة شرعية المؤتمر في السابع من فبراير، فيما يري البعض الآخر أن المؤتمر مقيد بمهام وليس بتاريخ كونه لم ينجز بعد ما انتخب لأجله مما يدعوه لمواصلة مهامه حتى إنجازها، بحسب مناصري التمديد للمؤتمر، الذي يرى عدد كبير من الليبيين أنه عجز عن إحلال الأمن وإنهاء الفوضى في البلاد.
وتمر عملية التحول الديمقراطي في ليبيا بأزمة حيث تعرقل المواجهات بين الإسلاميين والقوميين عمل الحكومة كما لم يتمكن الجيش الذي أنشئ حديثا من بسط سيطرته في كثير من الأحيان.
وأوقفت ميليشيا في شرق البلاد تصدير النفط وهو مصدر الدخل الرئيسي للبلاد ولا يزال الملف الأمني مصدر قلق وتجلى هذا في خطف رئيس الوزراء علي زيدان نفسه لفترة قصيرة في أكتوبر الماضي.
ونجح زيدان في أن ينجو من محاولات خصومه سحب الثقة منه في البرلمان غالبا بسبب الانقسامات بين المشرّعين.
وتأتي هذه الاضطرابات فيما لا يزال مصير رئيس الوزراء علي زيدان غير واضح، حتى بعد فشل تصويت على طرح الثقة بحكومته. وفي تفاعله مع الاحتجاجات المنادية بحل البرلمان، دعا علي زيدان، المواطنين إلى “ضرورة الحرص والالتزام بالحراك السلمي، وعدم اللجوء إلى العنف والتخريب، والعبث بممتلكات الدولة الليبية، ولأي سبب من الأسباب”. وأكد زيدان أنه تم تشكيل حكومة مصغرة، وهي في حالة انعقاد مستمر لمتابعة أمور البلاد، إضافة إلى تشكيل عدد من اللجان بمختلف الوزارات وفي المناطق، منبهاً الجميع بضرورة التأهب وحفظ الأمن.
من جانبها، دعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا السلطات وكل الأطراف المعنية إلى “وقف العنف والحؤول دون انزلاق البلاد إلى مزيد من الفوضى والاضطراب”. وشددت البعثة على القول في بيان إن “التنافس السياسي أو الآراء المتناقضة لا يبرر بأية طريقة من الطرق استخدام العنف”، داعية جميع الأطراف إلى الحوار.
ومما يعكس عمق الغموض السياسي في البلاد طالب معظم المحتجين بإجراء انتخابات جديدة أو أن تحل لجنة رئاسية أو المحكمة العليا محل البرلمان إلى حين إجراء الانتخابات. وبعد أشهر من الخلافات وافق المؤتمر الوطني العام يوم الاثنين على أن تضع لجنة خاصة مسودة الدستور.
ويقول مشرعون في المؤتمر إنه إذا أظهرت اللجنة تقدما خلال 60 يوما فإنه سيبقى لضمان الاستقرار حتى تنتهي اللجنة من وضع مسودة دستور وإذا فشلت في ذلك فستجرى انتخابات جديدة لانتخاب برلمان مؤقت. وتعثرت عملية الانتقال السياسي في ليبيا نتيجة تحالف عشرات من كتائب المعارضة السابقة التي قاتلت للإطاحة بالقذافي وترفض التخلي عن أسلحتها مع فصائل سياسية متنافسة تلجأ كثيرا إلى القوة العسكرية للضغط من أجل تنفيذ مطالبها. ويحتل قائد سابق لمقاتلي المعارضة مرافئ نفطية رئيسية في شرق البلاد مما أدى إلى انخفاض صادرات ليبيا إلى النصف وذلك للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي لهذه المنطقة وبنصيب أكبر في الثروة النفطية.
وفي تجسيد لهذا الاستقطاب تحالفت كتيبة الزنتان مع تحالف القوى الوطنية بينما تحالفت كتيبة مصراتة مع إسلاميين. ولعبت الكتيبتان المتناحرتان دورا رئيسيا في المعارضة السابقة.
وأبرز هجوم لمسلحين مجهولين تردّي الوضع الأمني الذي لم تسلم منه العاصمة حين حاولوا اقتحام مقر قيادة الجيش الليبي في طرابلس الخميس الماضي وتبادلوا إطلاق النار مع الجنود ثم سرقوا بنادق ومركبات عسكرية.